في الأمثال الشعبية يكون «البكاء دًما» دليلاً على شدة الندم والتأثر، أما في دنيا الواقع فهو حالة محيرة للمتخصصين قبل العوام، فالدمع الدموي أو الهيمولاكريا Haemolacria حالة جسدية تجعل شخصًا ما يبكي دموعًا ممتزجة بالدماء، وفي أحيان كثيرة تكون الدموع دما فعليا وليس مجرد دموع ملونة، وهي بلا شك واحدة من أكثر المشكلات ندرة في طب العيون.

 

         وكما يشير أطباء معهد هاميلتون للعيون في جامعة تينيسي الأمريكية، فإن عدد حالات (الهيمولاكريا) المسجلة بين عامي 1992 و2003 أربع حالات فقط، ورغم ندرتها فإنه يصعب الجزم بكونها حالة خارقة للطبيعة ما دامت تتوافر بعض الأسباب الطبية التي قد تؤدي إلى ذلك، فقد تكون «الهيمولاكريا» مؤشرًا على وجود ورم في الجهاز الدمعي غالبًا ما يثار بسبب التهاب الملتحمة أو مثيرات بيئية، وفي إحدى الحالات التي خضعت للفحص الطبي، فإن فتاة أمريكية في الخامسة عشرة من العمر عانت من ذلك العرض الذي اكتشفته خلال فترات الضغوط العصبية الدراسية، فقد كانت الدموع الدموية تنساب على خديها أثناء تركيزها مصحوبة بصداع ودوار دون تأثر في الرؤية، ولم يكن لعائلتها تاريخ مرضي مشابه، كما أن فحص عينات الدمع الدموي أكد تطابقه مع فصيلتها، وبالخضوع للفحص الطبي كانت حالة الجفون والملتحمة والغدة الدمعية طبيعية، ولم تكشف قطاعات العين الأمامية والخلفية عن أي خلل أو اضطراب، وكانت حالة الرؤية سليمة تماما في كلتا العينين، كما كانت فحوص الأنف والأذن والحنجرة وجميع الفحوص النسائية ضمن حدودها الطبيعية، وقد كان زمن النزيف وتخثر الدم وزمن البروثرومبين الذي يحدد ميول الدم للتجلط ضمن الحدود الطبيعية، وكذلك كان اختبار هشاشة الشعيرات الدموية سلبيًا، وفي مثل تلك الحالات لم ينجح الأطباء بعد في الكشف عن سبب عضوي واضح لها، وقد أرجعها بعضهم إلى حالة من الهستيريا التي تنتاب المريض، أو إلى حالة عدم استقرار شديد في الجهاز العصبي خاصة لدى النساء في فترات الطمث، ومازلنا لا نعرف بعد هل سنصل إلى تفسير لتلك الظاهرة الغريبة أم سيظل الأمر سرًا من أسرار الطبيعة؟