لا نختلف في أنّ كل دول العالم العربي لا تزال مندرجة في قائمة دول العالم الثالث، والتي ترتكز على أنّها دول ذات مستوى معيشي منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي، وقد تعاني هذه الدول من التخلف الاقتصادي، إذ يرى بعض الدارسين أنّ دول العالم الثالث هي التي لم تستفد من ثورة القرن التاسع عشر الصناعية.
حصلت مدينة الرياض على المرتبة العاشرة في قائمة المدن الأكثر تغريداً في تويتر

ومع ذلك فقد تفوقت السعودية على كثير من دول العالم لوجودها في قائمة أكثر الشعوب اتصالاً بشبكة الإنترنت. فقد صرحت شركة جوجل بأنّ السعوديين هم الأكثر استخداماً لليوتيوب حول العالم بالنسبة لعدد السكان، وقد أظهرت الإحصائيات إلى أنه تم تسجيل 90 مليون مشاهدة لليوتيوب يومياً من السعودية فقط. وذكرت الإحصائية كذلك أنّ السعودية تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية في عدد المشاهدات للشخص الواحد، حيث يصل عدد المشاهدات للمستخدم الواحد في السعودية إلى أكثر بثلاث مرات من عدد المشاهدات للمستخدمين في أمريكا. وقد لا نستغرب هذه الأرقام حين نعلم أنّ فئة الشباب تُشكّل حوالي 70% من نسبة الشعب السعودي. وكذلك مع توفر خدمات الإنترنت بسرعات جيدة وأسعار مقبولة ساهم في حصول السعودية على المركز الأول على دول الشرق الأوسط في استخدام الإنترنت، وذلك وفقاً لمدير تطوير أعمال اليوتيوب في القاهرة الأستاذ حسام يحيى. وأيضاً لا ننسى أنّ السعودية حصلت على المركز الأول عالمياً في انتشار الهواتف المحمولة والذكية وفقاً للمصدر السابق نفسه، لذلك نجد أنّ 50% من مشاهدات الشعب السعودي لليوتيوب تأتي من الهواتف الذكية. كما حصلت مدينة الرياض على المرتبة العاشرة في قائمة المدن الأكثر تغريداً في تويتر، في حين أنّ حوالي نصف مستخدمي الإنترنت في السعودية يمتلكون حساباً في تويتر، والبالغ عددهم أكثر من 10 ملايين مستخدم.

أما عدد مستخدمي الفيسبوك في السعودية فالعدد يتجاوز 6 ملايين مستخدم؛ إلا أنه لا يحظى بنفس المتابعة النشطة التي عليها تويتر. ولا يقتصر استخدام السعوديين على المواقع الثلاثة المشهورة – تويتر والفيسبوك واليوتيوب-، بل يمتد إلى مواقع أخرى إذ يستخدم أكثر من مليون سعودي شبكة “لينكد إن”. وهناك شبكات أخرى تشهد نمواً متزايداً بالسعودية مثل كيك وإنستاجرام كما صرّحت بهذا شبكة البي بي سي. هذا النشاط السعودي العارم جعل الكثير من المؤسسات الإعلامية تتساءل عن أسباب هذا التضخم الرهيب.
انعدام أو قلّة خيارات الترفيه العامّة لجيل الشباب أحد أهم الأسباب

وحين نبحث عن أسباب الانتشار الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعي بين طبقات الشعب السعودي؛ والعربي بشكل عام، نجد أنّ من أهم الأسباب هو انعدام أو قلّة خيارات الترفيه العامّة لجيل الشباب، وافتقادهم للمحاضن التثقيفية والتربوية التي قد تملأ أوقات فراغ الكثير منهم، فقد أجرت شركة المبادرات الوطنية N2V – والتي هي إحدى أكبر المجموعات القابضة المختصة بالإنترنت في العالم العربي- دراسة وجدت فيها أنّ اليوتيوب يقوم بتعويض الشباب السعودي عن بعض ما يفقده من الترفيه. وبذلك خرجت العشرات من البرامج اليوتيوبية والتي يقدمها ثُلة من الشباب السعودي، والتي تصدرت بها السعودية قائمة أكثر برامج اليوتيوب شعبية في الشرق الأوسط بـ 25 برنامج.
السعودية تتصدر قائمة أكثر برامج اليوتيوب شعبية في الشرق الأوسط بـ 25 برنامج

وكذلك مع التقلبات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالشرق الأوسط؛ لم يكن الإعلام الرسمي السعودي يُعبر عن الطرح الشعبي للشباب، فوجدوا في شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر والفيسبوك منبراً ومتنفساً إعلامياً يقدمون من خلاله ما لم يتاح لهم في الصحافة والإعلام الفضائي الرسمي. فقد عبّر كثيرون في الاستطلاعات عن أنّ السبب الرئيس لنشاطهم في الإنترنت هو أنهم يستطيعون قول ما لا يمكنهم قوله في الإعلام التقليدي. كذلك عبّر كثيرون بأنّ كثرة المحظورات والممنوعات في المجتمع أدّى بهم للجوء إلى الإنترنت لإيصال صوتهم. ومما يعزز هذا الرأي أنه قبل دخول الربيع العربي كان نسبة ذكر ألفاظ “السياسة” و”الأخبار” لا تتجاوز 3%، ولكن بعد عام 2012 قفزت هذه النسبة إلى أكثر من 25%، مما يدل على أنّ الشعوب العربية وجدت متنفساً في هذه الشبكات.

وقد قابلت هيئة الإتصالات السعودية هذا التضخم بالتهديد بإغلاق العديد من شبكات التواصل الاجتماعي إن لم يتم السماح للحكومة بمراقبتها، وقد تم إغلاق تطبيق فايبر كتطبيق أول لهذا التهديد. القرار الذي قوبل برفض شديد من قِبل المستخدمين السعوديين لما فيه من تقييد لحرية التعبير في الإطار الشرعي. هل انتهت جميع الحلول ولم يبقى إلا مسألة التقييد.