" الإدراك الخفي " ؟!واقع أو خيال ؟ 
- و تسمى باللغة العلمية الغربية Subliminal Perception . هل تعلم أنه يمكننا أن ندرك أموراً كثيرة دون استخدام أي من حواسنا الخمس التقليدية
 و نتفاعل معها و نتجاوب لها دون أي شعور منا بذلك أي أن ما نراه هو كل ما نراه ، لكن ما ندركه هو أكثر من ما نراه وهل تعلم أن الناس يتعرّضون للآلاف من المنبهات و الدوافع اللاشعورية يومياً و تتمثّل هذه المنبهات بشكل أصوات و صوروحتى روائح ، و يمكن أن تكون عبارة عن منبهات فوق صوتية ، تحت صوتية ، إشعاعية ، رادارية ، و مايكروموجية ، و غيرها من منبهات نتأثر بها دون إدراك من عقلنا الواعي  لكنها تسجّل في عقلنا الباطن- القسم الخفي من العقل -و يكون لها أثر كبير على سلوكنا و تفكيرنا و شعورنا و حالتنا الصحيّة و حتى تركيبتنا الفيزيائية 

 و قد بدأت الأبحاث تشير بشكل واضح إلى وجود مستويات متعدّدة من "الوعي" عند الإنسان ! .وحتى أثناء النوم أو في حالة التخدير الجراحي ، يمكن للإنسان أن يدرك أمور كثيرة من حوله  و يمكن لهذه الأمور أن تأثّر نفسياً أو جسدياً عليه ، بشكل غير شعوري!و قد بدؤا يوصون الأطباء مؤخراً بعدم التحدّث عن حالة المريض في حضوره ، حتى لو كان في حالة تخدير تام،لأنه يدرك كل كلمة يقولونها!و يتفاعل معها لا شعورياً ! بالرغم من نومه العميق 

و يعمل هذا الجهاز الذي يشبه جهاز العرض السينمائي على إظهار صور بسرعات متفاوته ، و يدرس العلماء ردود أفعال الأشخاص خلال رؤيتهم لهذه الصور التي تعرض عليهم بسرعات مختلفة . لكن الأمر الذي أدهش العلماء هو أن الأشخاص استطاعوا التعرّف على الصوروتمييزها والتجاوب لها عندما تعرض عليهم بزمن خاطف لا يتجاوز 100/1 من الثانية ! أي على شكل وميض ! ويتفاعل معها لاإرادياً 

و بعد أبحاث متعدّدة أقاموها فيما بعد (حتى على الحيوانات) ، توصلوا إلى نتيجة مدهشة فعلاً ،هي أن الإنسان( و الكائنات الأخرى) يستطيع تمييز أي صورة أو كلمة أو شكل أو غيرها إذا مرّت في مجال نظره بسرعة خاطفة تصل إلى 300/1 من أجزاء الثانية ! لكن الأمر الأهم هو أن هذه الصور الخاطفة التي لا يراها و يميزها سوى العقل الباطن ، هي أكثر تأثيراً على تصرفات الفرد و تفكيره من تلك الصور التي يراها العقل الواعي في الحالة الطبيعية

 أقام " فيساري" في العام 1957م أبحاثه في إحدى دور السينما في نيويورك ، و استخدم جهاز " تاتشيستوسكوب" في عرض عبارات تظهر كل خمس ثوان بشكل خاطف ( 300/1 من الثانية ) على الشاشة أثناء عرض الفيلم ، أي أن المشاهدين لم يلاحظوا ظهور هذه العبارات الخاطفة خلال مشاهدة الفيلم ، أما العبارات التي أطلقها فكانت تقول" هل أنت عطشان ؟ اشرب كوكاكولا هل أنت جائع ؟ كل كذا وكذا" !وبعد ستة أسابيع ، بينما كانت تعرض هذه العبارات الخاطفة على الشاشة باستمرار ، اكتشف "فيساري" خلال مراقبته لعملية البيع في الاستراحة الخاصة لدار العرض أن نسبة مبيعات مشروبات الكوكاكولا و البوشار قد ارتفع بشكل كبير ! بعد هذا الاكتشاف المثير راح يتنقّل بين المؤسّسات الكبرى و الشركات التجارية و الإعلانية ليعرض عليها فكرته الجديدة التي أسماها "الإعلان الخفي" Subliminal Advertisement ، و قد تناولت وسائل الإعلام هذا الاكتشاف الخطير باهتمام كبير ،

 و راح "فايساري" يظهر على شاشات التلفزيون المختلفة ليتحدّث عن اختراعه العظيم ، لكن من ناحية أخرى ، ظهرت معارضة مفاجئة لهذه الفكرة الخطيرة وفي العام 1979م مثلاً ، ابتكر البروفيسور" هال.س.بيكر " جهاز خاص ساعد الكثير من المتاجر الضخمة في كندا و الولايات المتحدة على حل مشكلة مستعصية طالما سببت لهم خسائر كبيرة فكانت تعاني من الكثيرمن عمليات السرقة و النشل التي تحصل من رفوفها المتعددة .

 و قد زوّدت هذه المتاجر بأجهزة البروفيسور "بيكر" صوتيات الاانهاتطلق بنفس الوقت رسائل مبطّنة تحثّ الزبائن على عدم السرقة !وهذه الرسائل هي عبارة عن عبارات مثل " أنا نزيه أنا لا أسرق إذا قمت بالسرقة سوف أدخل السجن" وتطلق هذه العبارات بسرعة كبيرة تجعله من الصعب تمييزها ! لكن العقل الباطن يلتقطها و يتجاوب معها

 و قد نشرت مجلة " تايمز" في 10/ أيلول /1979م مقالة بعنوان " أصوات سرّية "أجرت تحقيق صحفي لخمسين من هذه المتاجر الضخمة التي قامت باستخدام أجهزة البروفيسورو بعد إجراء إحصاء عام ، تبيّن أن السرقات انخفضت بنسبة كبيرة ! وإحدى هذه المتاجر اعترفت بأنها قامت بتوفير مبلغ نصف مليون دولار خلال عشرة أشـــهر فقط

 ورغم ظهور الكثير من الدراسات التي تثبت فاعلية هذه الأجهزة المختلفة التي تتواصل مع العقل الباطن مباشـــــــرة عن طريق إطلاق رسائل خفية متنوعة ، إلا أن الناس واجهت صعوبة في استيعاب هذا المفهوم الجديد و المعقّد نوعاً ما ,لكن هذا لم يمنع الباحثين عن إجراء دراسات سايكولوجية "نفسية" مختلفة حول هذه الوسيلة الجديدة و تأثيرها على تركيبة الإنسان النفسية و مدى التغييرات الجوهرية التي يمكن إحداثها في سلوكه و عاداته المختلفة و تفكيره

فالعلماء النفسيين يعرفون مسبقاً حقيقة أن الإيحاءات التي يتلقاها العقل الباطن هي أكثر تأثيراً في تغيير تصرفات الشخص و تفكيره و سلوكه ، بينما الإيحاءات التي يتلقاها عقله الواعي هي أقل فاعلية في حدوث هذا التغيير الجوهري و قد توصلوا إلى هذه الحقيقة أثناء اللجوء إلى التنويم المغناطيسي الذي هو إحدى الوسائل الكثيرة التي يتمكنون من خلالها التواصل مباشرة مع العقل الباطن و القيام ببعض التغييرات الجوهرية في تركيبة الإنسان النفسية و السلوكية وقد نجح  التنويم المغناطيسي في مساعدة الأفراد على التخلص من الكثير من العادات السيّئة كالتدخين مثلاً وتوصل الباحثون إلى نتيجة فحواها أن عملية إطلاق الرسائل الخفية من أجهزة خاصة مثل التاتشيستوسكوب و غيره ، لها تأثير كبير على الأفراد ! و فاعليتها هي كما فاعلية التنويم المغناطيسي ,لأنها تخاطب العقل الباطن بشكل مباشر ، لكن بطريقة مختلفة ، و يمكن أن تكون أكثر فاعلية و تأثيرا!

 فعند استخدام التنويم المغناطيسي يجب على الطبيب القيام ببعض الإجراءات التي تمكنه من إلهاء العقل الواعي كي يتسنى له الدخول إلى العقل الباطن و التواصل معه . أما عملية إطلاق الرسائل الخفية " بصرية ، صوتية ، أو غيرها فتستطيع الدخول مباشرةً إلى العقل الباطن دون إضاعة أي وقت في عملية إلهاء العقل الواعي, لأنه بكل بساطة لا تستطيع إدراك تلك الرسائل أساساً  فتمر الرسائل من خلاله مباشرة إلى العقل الباطن دون أي عقبة أو ممانعة منه ونجح الخبراء في إثبات فاعلية الرسائل الخفية في سبيل استبدال الكثير من العادات السيئة عند الأشخاص بعادات حسنة ! و لعبت دوراً كبيراً في القضاء على الجوانب السلبية في تركيبة النفسية للإنسان

  هذه النزعات السلبية كالشعور بالغضب أو الحقد أو اليأس أو الخوف أو النفور من المجتمع أو عدم الثقة بالذات أو غيرها من حالات نفسية يمكن أن تصيب الشخص خلال مرحلة مبكرة من حياته . و بما أن الرسائل الخفية هي موجهة للعقل الباطن بشكل مباشر ، فيمكن لها أن تعمل على إعادة برمجته من جديد و إزالة جميع السلبيات النفسية المتراكمة عبر السنين -أليس هذا ما يفعله الأطباء النفسيين في ****هم للمرضى خلال جلسات متعددة و طويلة الأمد ، معتمدين على الأساليب التقليدية ، هذا إذا استثنينا الأجور العالية جداً ؟!

وبعد إثبات هذه الحقيقة العلمية لفاعليتها وتأثيرها الكبيرين ، راحت الشركات التجارية تنتج أشرطة فيديو و كاسيتات صوتية مبطّنة برسائل وإيحاءات خاصة لمعالجة الحالات النفسية المختلفة " حسب حالة الأشخاص"مثل شـــركة "ستيموتيك إنكوربوريشن " التي قامت في العام 1983م بطرح هذه الأنواع من الأشرطة في الأسواق و لاقت رواجاً كبيراً  تعمل هذه الأشرطة على إظهار أفلام و وثائقية عن الطبيعة أو غيرها من مواضيع مهدئة ، لكنها مبطّنة برسائل لا يدركها سوى العقل الباطن . فتظهر هذه الرسائل على شكل ومضات لا تتجاوز مدة ظهورها 1\100 من أجزاء الثانية حيث لا يستطيع العقل الواعي إدراكها!لكن هذه الرسائل تجد طريقها إلى العقل الباطن بسهولة و تقوم بعملها المناسب في معالجة الحالة النفسية التي يعاني منها الشخص !
إن استخدامات هذه التكنولوجيا كثيرة جداً و متنوعة جداً تطال جميع المجالات التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان لكن بنفس الوقت، تعتبرهذه التكنولوجيا وسيلة خطيرة جداً يمكن استعمالها كسلاح دمار شامل للعقول و القناعات !
 وبما أن الأعمال الخسيسة التي تقوم بها المؤسسات المالية و الاقتصادية و الإعلامية العملاقة تحاط بسرية تامة ، فلا نعلم تحديداً كيف يستفيدون منها و بأي شكل تتخذه ! لكنها موجودة ويتم استعمالها بشكل مفرط
و ليس علينا سوى التنبّه لهذه الحقيقة و نتخذ الإجراءات اللازمة  أوّل ما يمكن فعله هوعدم الاستماع الإذاعات المشبوهة
!إننا نتعرّض للآلاف من الرسائل الخفية يومياً  إنها تأتينا من كل مكان في الصور و المجلات و التلفزيون والراديووحتى كاسيتات التسجيل ! و تعمل هذه الرسائل على برمجة قناعاتنا لصالح جهات تجارية ، أيديولوجية ، وغيرها ! دون أي شعور منا بذلك!واقع خطير ولاشك .