أغرب الوصايا!!!

مليارديرات أميركيون كتبوا جزءا من ثرواتهم لكلاب وقطط.. وآخرون للمرأة الأكثر إنجابا.. وبعضهم حرروا كتبا لورثتهم


توفيت ليونا هلمسلي، عن عمر 87سنة،وهي مليونيرة أميركية من نيويورك، كانت تملك مجموعة فنادق «هلمسلي»، التي ورثتها عن زوجها هاري هلمسلي. وهي مجموعة فنادق راقية (خمسة نجوم) في نيويورك، وشياغو، ولوس انجيس، ومدن أخرى كبيرة.
اشتهرت «ليونا»، كما تسميها صحف الاثارة، قبل عشر سنوات، عندما حوكمت وسجنت، لأنها لم تدفع الضرائب المستحق عليها، ولأنها زورت اوراقا وتقارير في شركتها، بعد وفاة زوجها. وقالت، في ذلك الوقت، قولا صار مثلا: «لا يدفع الأغنياء ضرائب». ولهذا، سميت، في ذلك الوقت، اسماء قاسية منها: «ملكة السخف» و«اميرة القرف».

 لكن، «ليونا» أثارت نقاشا اكثر بعد وفاتها، وكأنها تعمدت ان تفعل ذلك، انتقاما على كل من انتقدها. طلبت في وصيتها رصد 12 مليون دولار لكلبتها «تروبل» (مشكلة). وقالت في وصيتها: «تروبل» ليست فقط شقيقة ورفيقة وصديقة، لكنها، ايضا، مساهمة في شركتي». هذه اشارة الى ان الكلبة ظهرت في اعلانات تلفزيونية لشركة فنادق «هلمسلي»، وتمددت فيها على سرير عملاق في «الجناج الملكي» في واحد من الفنادق.

هذه الوصية غير المألوفة، ليست الأولى.. ولن تكون الأخيرة، في عالم الوصايا الغريبة خاصة بين اثرياء العالم، فقد حدث ان أوصى بعضهم بثروة الى قطة، وآخرين الى حيوانات أخرى، حارمين، حتى ابناءهم من التمتع بثروتهم من بعدهم، بسبب مواقف متعددة، وكتب البعض وصايا في حجم كتاب تعددت صفحاته لتصل الى اكثر من 150 صفحة.

ولكن وصية «ليونا» تبدو هي الأغرب.. فقد أوصت بدفن كلبتها «تروبل» الى جوار قبرها وقبر زوجها، وذلك في ضريح كلف خمسين مليون دولار، خارج مدينة نيويورك. ورصدت ثلاثة ملايين دولار لتوضع في بنك الى اجل غير مسمى، وتصرف ارباحها كل سنة لرعاية ونظافة وصيانة قبر الكلبة. ورغم اهتمام الناس بالكلبة والضريح، رصدت «ليونا» ملايين الدولارات لأعمال الخير عن طريق «مؤسسة ليونا وهاري هلمسلي». ولم تنس سائق سيارتها، فأوصت له بمائة ألف دولار.

كما أوصت «ليونا» بعشرة ملايين دولار لشقيقها الفين روزنثال، لكن هذا اقل من نصيب الكلبة. لكن، سينال هذا الشقيق راتبا شهريا إضافيا، لأنه سيرعى الكلبة حتى تموت. وعندما تموت، عليه، حسب الوصية، ان يدفنها في المكان المخصص لها في الضريح. وكتبت: «لا بد من دفن تروبل الى جانبي، لا الى جانب زوجي، في الضريح الذي بنيته». وقالت ايضا «لا بد من تنظيف قبر تروبل الرخامي كل اسبوع، ولا بد من استعمال البخار مرة كل سنة على الأقل، لأن الرخام يحتاج الى ذلك».

ولم توص «ليونا» بأي شيء لابنها الوحيد جاي بانزيرر، وذلك لأنه توفي قبل اكثر من عشرين سنة. لكنها فرقت بين اولاده (احفادها) الأربعة: اثنين صارا محظوظين، واثنين لم تترك لهما دولارا واحدا. كتبت: «بالنسبة لكل من كريغ وميغان، لم اكتب لهما اي شيء في هذه الوصية، وذلك لأسباب يعرفانها معرفة جيدة» (رفض الشقيقان الحديث للصحافيين عن الأسباب، وعن اي شيء له صلة بجدتهما).

وكتبت الجدة: «بالنسبة لكل من ديفيد وولتر، سينال كل واحد خمسة ملايين دولار». لكنها قالت إن هناك شرطا مهما، وهو «زيارة قبر والدهما (ابنها) مرة كل سنة، على الأقل». ولكن كيف ستعرف بعد موتها، انهما يقومان بزيارته؟ تقول: «لن أعرف، لكنهما وعداني بذلك»، فهل يعني ذلك أن شقيقيهما رفضا زيارة قبر والدهما، ولهذا حرمتهما من أية ورثة؟ لكن، يبدو انها لا تثق حتى بالشقيقين المحظوظين، ذلك لأنها كتبت في وصيتها بدفع مليون دولار للمؤسسة الدينية، التي تملك المقابر التي فيها الضريح، وذلك مقابل وضع دفتر زوار في الضريح. وتسجيل اسم كل من يزوره. والتأكد من ان الشقيقين «الأحسن» يزورانه بانتظام.

وكان الزوج والابن دفنا في مقابر عادية خارج مدينة نيويورك. لكن، قبل سنتين، أمرت «ليونا» بنقل رفاتهما الى ضريح عملاق من الرخام والفسيفساء كلف خمسين مليون دولار. وفيه أعمدة من الجرانيت، وفي حجم منزل متوسط. وهو الاكبر وسط اكثر من الفي قبر في مقبرة يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر.

ليست «ليونا» اول من اوصت في اميركا بجزء من ثروتها للكلاب والقطط: ففي سنة 1993، عندما توفيت دوريس ديوك (كانت مليونيرة وصاحبت شركات لزراعة التبغ وصناعة السجاير)، اوصت بمائة الف دولار لرعاية كلابها الاربعة: «ميني» و«فوكسي» و«روديو» و«روبرت». 

وفي سنة 1999، عندما توفي داستي سبرنغفيلد (كان ممثلا ومغنيا، لأغاني مثل: «ليلة السبت»)، اوصى بصرف جزء من ثروته لرعاية قطه «نيكولاس»، على شرط الا تأكل غير طعام اطفال مستورد. وفي سنة 1996، عندما توفيت ناتالي شيفر (كانت ممثلة، ومثلت في افلام مثل «جزيرة قليقان»)، اوصت لكلبها «تايغر» بنسبة كبيرة من ثروتها.

وفي السنة الماضية، قالت مصادر صحافية ان اوبرا وينفري، مقدمة برنامج تلفزيوني شهيرة، وصاحبة شركات تلفزيونية وسينمائية، ومليونيرة، كتبت، عن طريق محامين، وصية فيها «اكثر من مليون دولار» لصالح كلبتها «صوفيا». وان بيتي هوايت، ممثلة سينمائية وتلفزيونية عجوز، كتبت، عن طريق محاميها ايضا، وصية فيها خمسة ملايين دولار لصالح مجموعة من الكلاب تملكها. هذا بالاضافة الى رصد ملايين اخرى لجمعيات الرفق بالحيوان، والتي ظلت تشترك فيها وتتبرع لها.

ويعتقد أن أول وصية قانونية (مكتوبة) كتبت في روما في عصر الامبراطورية الرومانية. لا يعرف اذا كان ذلك قبل او بعد اعتناق الامبراطورية الدين المسيحي. لكن، قبل او بعد، تعود جذور الوصية الى الاديان السماوية (لضمان رفع الظلم واحقاق الحق). بداية بالتوراه، وحسبما ما هو مكتوب في «التكوين»: فإن النبي يعقوب قال لابنه يوسف: «ها أنا ذا أموت، ولكن الله سيكون معكم. ويردكم الى أرض آبائكم. وأنا وهبت لك سهما واحدا فوق اخوتك، أخذته من الأموريين بسيفي وقوسي». 

 وقال الانجيل ان عيسى لم يترك مالا يورث، ولكن ترك رسالة أوصى حواريه بأن ينشروها، مثل ما جاء في اصحاح متى: «ابنوا كنيستي». وجاء في القرآن الكريم كما في الكتب السماوية قبله، إفادات عن الوصية الشرعية، لكنه اضاف الوصية الى تعاليم تأسيس مجتمع عادل، مثلما في سورة «المائدة»: «يا ايها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية».

ومع بداية الحضارة الغربية، ظهرت الوصية في «ماغنا كارتا ليبرتوتم» (وثيقة الحرية العظيمة) في بريطانيا، اساس القانون الدستوري الحديث (سنة 1215). قبلها كان الاقطاعيون البريطانيون يصادرون اراضي من لا زوجة واطفال له، او يصادرون نصفها اذا ترك زوجة، وثلثيها إذا ترك زوجة وأطفالا. وبعدها تأكدت حقوق الزوجة والاولاد، وضمنت لهم طرقا لرفع قضايا لرفع ظلم إذا وقع عليهم، وحددت سن الرابعة عشرة للولد ليكتب وصية، وسن الثانية عشرة للبنت.
مثل «ليونا»، تملك المرأة الغربية حق كتابة وصية، لكن لم يكن ذلك الحال في الماضي. حتى سنة 1893، كانت المرأة في بريطانيا ممنوعة من كتابة وصية بدون اذن زوجها، او والدها، او قريب لها (وكان الأجنبي ممنوعا من كتابة وصية عن ممتلكاته بدون اذن الملك). تقدم الاميركيون اكثر من البريطانيين في هذا المجال. لكن، تختلف قوانين الميراث من ولاية الى ولاية. تجبر ولايات الزوج او الزوجة على وضع نصف الميراث للآخر، وتلزم بعدم حرمان الاطفال، مهما كتبوا في وصاياهم. ولكن، تلتزم ولايات اخرى بالوصايا.

اشهر وصايا التاريخ ليست عن ارض او حساب في البنك، ولكن عن وراثة الحكم. ويمتلئ التاريخ بوصايا ملوك واباطرة لم تنفذ. وبأبناء اختلفوا حول تولى الحكم بعد وفاة والدهم، وبحروب اهلية قامت بسبب ذلك، ودولا تقسمت، وممالك انهارت. في سنة 1135، اوصى الملك هنري الأول بأن تخلفه ابنته «ماتلدا»، لكن ابن عمها نزع العرش منها، وادخل بريطانيا في حرب أهلية. وادخل الامبراطور لويس السادس، فرنسا في سنة 1364، في حرب اهلية عندما اوصى بأن يخلفه واحد من اخوانه الاربعة، لأنه لم يقدر على انجاب ولي للعرش. لكن الاخوان تعاركوا، وقسموا فرنسا.

وانتظمت وصايا الملوك والأمراء في العصر الحديث. وصارت مكتوبة، وتحافظ عليها هيئات قانونية مستقلة في هذه البلاد. وطبعا، لا توجد وصايا توريث في الدول غير الملكية. لكن توجد وصايا عن الاوراق الرسمية، وسط جدل قانوني عن الفرق بين الاوراق الخاصة والاوراق الرسمية. في اميركا، جادل حول هذا الأمر الرئيس نيكسون (استقال بسبب فضيحة «ووترغيت» سنة 1974)، خوفا من كشف مزيد من خفايا الفضيحة بعد وفاته سنة 1994. ووصل الجدال الى المحكمة العليا، التي اصدرت حلا وسطا بين عائلة نيكسون ودار الوثائق الوطنية (التي تحفظ وثائق البيت الأبيض وغيرها).

وأوصت جاكلين كنيدي (توفيت سنة 1994) وكانت زوجة الرئيس كنيدي، بحفظ جزء من ممتلكاتها لصالح «وقف البيت الابيض»، وطلبت اعلان البيت الأبيض «متحفا وطنيا». وأوصى ابنها جون كنيدي الصغير (توفي سنة 1999) بأن يذهب جزء من ثروته الى زوجته «كارولين» واولادهما. لكن الزوجة قتلت معه في نفس حادث سقوط طائرة. ولهذا، ذهب جزء الى شقيقته «كارولين» شلوسبيرغ. لكن، ذهبت نسبة كبيرة جدا الى مؤسسة خيرية كان اسسها قبل مقتله بخمس عشرة سنة. (تبلغ جملة الثروة مائة مليون دولار تقريبا، اكثر من نصفها ورثه عن والدته التي توفيت قبل وفاته بسنتين، والنصف الثاني من والده الرئيس الذي قتل سنة 1963).

وارتكب وارين بيرغر، قاضي المحكمة العليا (توفي سنة 1995) خطأ قانونيا لم يتوقع من رجل في منصبه، وذلك عندما كتب وصية من 176 صفحة، وترك فيه ثروته لابنيه. غير انه لم يعط محاميه حق تقسيم الورثة، ولم يقل ان الورثة ستقسم بعد أو قبل دفع الضرائب المستحقة عليها. وكلف، بذلك، ابنيه مئات الآلاف من الدولارات.

ثم هناك اثرياء التكنولوجيا الجدد، الذين لم ينتظروا حتى يكتبوا وصايا، بل اسسوا مؤسسات خيرية يشرفون من خلالها على صرف اجزاء من اموالهم. مثل بيل غيتس، وديفيد باكارد. حيث بلغ رأسمال مؤسسة الاول عشرة مليارات دولار، والثاني سبعة مليارات دولار.

ومن أغرب الوصايا وصية شارلز ميلار، وهو مليونير كندي توفي قبل مائة سنة تقريبا، وترك ثروته الى «اول امرأة في تورنتو تنجب أكبر عدد من الأولاد والبنات خلال العشر سنوات بعد وفاتي». رفعت زوجته وأولاده وبناته وأقاربهم قضايا في المحاكم الكندية، لكن التزمت المحاكم بحرفية الوصية. وفعلا، بعد عشر سنوات، اقتسمت اربع نساء في تورنتو الورثة.

وكتب هنري كيد وهو محام أميركي، وصية يبدو انها لن تنفذ ابدا، وذلك لأنه وهبها الى «أول عالم يخترع طريقة لإثبات خروج الروح من الجسم عند الموت». وأضاف: «اعتقد ان يوما سيأتي، توجد فيه كاميرا تصور ذلك».
رغم ان كتابة الوصية صارت جزءا من المعاملات القانونية الأوروبية والأميركية، لا يفعلها كل أميركي. ولم يترك مشاهير وصايا، مثل: الرئيس ابراهام لنكون، والقس الأسود مارتن لوثر كينغ، والبليونير هوارد هيوز، وخارج اميركا هناك أبو الشيوعية كارل ماركس، والرسام بابلو بيكاسو. وأقصر وصية قانونية (مكتوبة) كتبها تشيكوسلوفاكي، وفيها: «كل شيء لزوجتي» (سنة 1967). وأخرى كتبها هندي، وفيها: «كل شيء لابني». (سنة 1995).