هل صحيح أن أسماك القرش تموت إن لم تتحرك بإستمرار ؟

ما يعرف عن القروش أنها تحرك جسمها من جهة إلى جهة أخرى أثناء تحركها في الماء حيث تحرك رأسها أولا لجهة معينة ثم للجهة الأخرى لكي تولد القوة الدافعة التي تمنحها إنسيابيتها في الماء ، ثم يأتي الذيل التي يسمح لها بفضل شكله الفريد بزيادة السرعة ، و من المنطقي أن القرش يجب عليه السباحة لكي يصطاد أو لكي يتجنب الأعداء (على قلتهم) و لكن هل يجب عليه أن يتحرك على الدوام لكي لا يغرق إلى القاع (لكي يتنفس و لا يموت) ؟

يبدو أنك سمعت عن مقولة أن القرش ستغرق إن توقف عن الحركة ، و هذا طبيعي لأن هذه الفكرة إنتشرت كثيرا من كتب البيولوجيا إلى البرنامج الشهير ” صدق أو لا تصدق مع ريبلي (برنامج للغرائب و العجائب يعرض على قناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي) ” و قد إنبثقت هذه النظرية من مقارنة أسماك القرش بالأسماك العظمية التي تملك عدد كبير من العضلات في أعضاء التنفس كالخياشيم.
و لكي نفهم لماذا هذا التمييز مهم جدا يجب علينا أن نتعرف على طريقة تنفس سمكة القرش و الأسماك الأخرى ، لكي تتنفس سمكة القرش يجب عليها أن تستخلص الأوكسيجين من المياه المحيطة بها حيث يدخل الماء من فم القرش (يستعمل الأنف بشكل حصري في حاسة الشم) و يخرج من الخياشيم ، تحتوي الخياشيم على على مئات من الخيوط الخيشومية (gill filaments) و يتكون كل خيط من ألاف الصفيحات ورقية الشكل (leaflike lamellae) و التي تحتوي بدورها على الأوعية الدموية . تقوم الأوعية الدم بإمتصاص الأوكسيجين من ماء البحر ثم تطرحها إلى الخارج عبر الخياشيم و تملك أسماك القرش من 5-7 أزواج من الشقوق الخيشومية حسب النوع.
بهذه الطريقة تستطيع القروش إستخراج 80% من الأوكسيجين الموجود في الماء (حوالي 1% فقط من الأوكسيجين الموجود في الكوكب) ، و للمقارنة يستطيع الإنسان أن يستخرج 21% فقط من الأوكسيجين الموجود في الهواء (حوالي 25% من أجمالي الأوكسيجين الموجود في الأرض) ، لكي تحافظ القروش على هذه النسبة يجب على القرش أن يتزود بمياه البحر بشكل مستمر.
و لكن هل يجب على سمكة القرش أن تتحرك بإستمرار لكي تضمن تزودها المستمر بالماء ؟ يعتقد العلماء أن هذا صحيح لأن الأسماك الأخرى تملك ما يشبه مضخات تضخ الماء بشكل أكثر فعالية إلى داخل الفم ثم تخرجها من الخياشيم و هذا ما لا تملكه أسماك القرش ، و لكن ماذا نقول عن أسماك قرش الملاك (angel sharks) و قرش الممرضة (nurse sharks) التي لا تبدو أنها تسبح على الإطلاق ؟ لقد تبين أنه ليست جميع أنواع القرش مضطرة إلى الحركة الدائمة لكي تتنفس.

كيف تنام القروش ؟

بالنسبة للإنسان تعتبر  فكرة الحركة الدائمة للبقاء على قيد الحياة متعبة لمجرد التفكير فيها فالجميع يحب أن يستلقي على الأريكة كل مساء بعد يوم عمل طويل و شاق ، و لكن كما تبين فإن سمك القرش يبدل جهدا أكبر لليقاء ساكنا أكثر من الجهد الذي يبدله للسباحة ، فحسب دراسة أجريت على سمك قرش الليمون  فإن هذا النوع من القروش يتنفس بفعالية أثناء الحركة ( حوالي 6% أفضل من تنفسه و هو ساكن في مكانه ).

 و قد تساعدنا هذه الحقيقة لمعرفة طريقة تصرف سمك القرش عندما يواجه صعوية في التنفس : حيث تلجأ بعض أنواع القروش إلى زيادة قوة ضخ المياه لإستخراج المزيد من الأوكسيجين و في نفس الوقت تقوم بتخفيف نشاط الأعضاء الأخرى لتوفير الطاقة . بعض الأنواع الأخرى تقوم بزيادة سرعة السباحة و فتح فمها بشكل أكبر .
و لا يعني هذا أن القرش لا يرتاح ابدا عن الحركة و لكن لأسباب جلية من الصعب على العلماء أن يقتفوا أثر القروش التي تتحرك بإستمرار و أن يحددوا بدقة كيفية و مكان راحة القرش . و حسب تجربة أجريت على قرش صغير فقد ثبت أن السباحة نشاط مرتبط بالحبل الشوكي و ليس بالدماغ و لذلك قد تستطيع القروش أن “” تطفئ دماغها “” بينما تحافظ على حركتها الدائمة . 

و حتى القروش التي تحتاج إلى الراحة تستفيد من عوامل أخرى مثل إرتفاع نسبة الأوكسيجين في الماء و نسبة الملوحة و حتى أوقات النهار المختلفة ، في سنوات 1970 إكتشف العلماء ما سمي بكهوف القروش النائمة (Caves of the Sleeping Sharks) في منطقة Isla Mujeres  في المكسيك حيث عثر العلماء على عدد من قروش  الشعاب المرجانية و هي ساكنة تماما و قد وجد العلماء أن المياه في الكهف كانت غنية بالأوكسيجين و فقيرة من الملح و هذا ما سمح للقروش بالتنفس دون أن تتحرك .
قد لا تنام القروش بالطريقة نفسها التي ينام بها الإنسان (سواء كانت العينين مفتوحتين أو مغلوقتين)  و لكن يبدو أنها تأخذ بعض الراحة من حين لأخر حيث لوحظت العديد من أسماك القرش و هي ساكنة حتى خارج الكهوف رغم أن العلماء لا يعلمون كيف فعلت ذلك.