مَجلات الزمن الجَميل مَن مِنا لس له ذكريات جَميلة معها
"ماجد"، و"ميكي ماوس"، و"باسم"، وغيرها مِن مَجلات الأطفال الوَرقية، التي اندثر وُجودها أو أصبحت شحيحة الظهور، مَثلت في حُقبة من الزمن عَالماً سِحرياً للملايين من الوطن العَربي، الذين لم تكتمل طفولتهم إلا بها، حيث احتوت صَفحاتها وقصصها سنوات البَراءة والخيالات المتوقدة المليئة بالألغاز والمُغامرات، وَرغبة الأطفال الدَائمة في الاستطلاع ومعرفة العالم المُحيط بهم.
وشكّلت مَجلات الأطفال في العالم العربي حضوراً قوياً إبان السَبعينات وحتى بداية الألفية، تمثل في صُدور عشرات المجلات العربية والمُترجمة، والتي تضمنت أعمالاً مبتكرة ومُتعددة الأساليب، ساهمت في شحذ مخيلة الأطفال الذين ارتبطوا بها، وبشخوصها وَمنحوها الحياة، لكنها ما لبثت أن انكمشت وماتت الواحدة تلو الأخرى، فأعلن ناشروها توقف إصدارها وقرر كُتابها إنهاء حكاياتها.
أسباب موضوعية وقفت خلف اندثار هذه المَجلات، تمثل أبرزها في ضعف التوزيع، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وعَدم القدرة على المُنافسة في ظل ظهور وَسائط حيوية وواقعية أكثر من تلك الأفكار الخلاقة التي طالما انتصرت للحق والعدل والجَمال، لكن ذلك لا يعفي المجتمع من تكوين إصدارات تتماشى مَع الواقع وتحافظ عَلى المُكتسبات التي حققتها المَجلات الورقية، بحسب مراقبين.

ثورة الاتصال هي السبب

في عَالم يمتلئ بالخيارات المُغرية مِن فضائيات وألعاب فيديو ومَواقع إلكترونية قلّ أن تجد طفلاً يقصد مكتبة لشراء مَجلة قد لا يجدها بانتظام، هكذا بادرنا الدُكتور سعود كاتب، أستاذ الإعلام بجامعة المؤسس، الذي أوضح في حَديثه لـ"العربية.نت" أن "مبادرات المَجلات الورقية الموجّهة للطفل العربي ضعيفةٌ مُقارنةً بالمُنتج الغربي بحمولته الثقافيَة".
وأضاف: "لا زلنا نتطلع إلى أعمال عَربية خالصة تسهم في تشكيل قناعات الطفل بنفسه ومُحيطه ومجتمعه بشكل سليم".
وفيما يتعلق بجدوى إصدار مَجلة للأطفال في ظل الخيارات المُتعددة، أوضح كاتب أن القائمين على هذا المشروع قد يفكّرون ألف مرة قبل الإقدام عليه، لكن هذا لا يعني أن سبل النجاح قد لا تكون مُتوافرة، شريطة الإلمام بالواقع وظروفه وَشروطه، والاطلاع على المعايير التقنية والعِلمية والتربوية التي تتطلبها التجربة، حيث لابد من دراسة متأنية ترصد المكتسبات، وتنبه إلى مكامن الخلل والزلل، وترسم خارطة الطريق في زمن العولمة والتنافسية.

مشروع مَجلة إلكترونية

إلي ذلك قال ياسر باعامر، مدير تحرير مَجلة "فراس" للأطفال سَابقاً: "إن الطفل العربي بحاجة ماسة إلى مَجلات عربية ثقافية، شبيهة بالتي كانت تصدر في مَرحلة ما قبل الألفية، لاسيما أن الطفل يتعرّض لموجة عَولمة عنيفة باعتباره ُمستقبلاً اتصالياً، وما يتاح له من تثقيف لا صفي، أقل بكثير مقارنة بالأطفال الآخرين"، مُضيفاً في حديثه لـ"العربية.نت": "وما يتلقاه عبر الوسائط لا يساهم في خلق جيلٍ يعي أهمية الكتاب والقراءة".
وشدّد باعامر عَلى أن هَذه الاستنتاجات تجعل الحَاجة ماسّة، لبناء مشروع مجلة للطفل في العالم العربي خصوصاً السعودي، تتبناها إحدى المؤسسات الحُكومية، مجلة إلكترونية تحافظ على المُكتسبات التي حققتها المجلات الوَرقية، وتتجاوز إشكالاتها وتعمل على الاستفادة من الإمكانات التقنية، وتكون مَجلة ذات خصائص فنية وتربوية وتفاعلية، كي تصبح قادرة عَلى المنافسة في خضم مئات التجارب المماثلة.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة تربوية اعتبرت القصص المُصورة التي كانت تنشر في ثنايا مجلات الأطفال، واحدة مِن أبرز الأسَاليب الفعالة في عَملية التنشئة الاجتماعية، ومن أشد ألوان الأدب تأثيرًا في نفوس الأطفال، فهي تعمل - بحسب الدراسة - على إكساب الطفل مجموعة مِن القيم، والاتجاهات، والأفكار، واللغة، وعناصر الثقافة والمَعرفة ما يسهم في تكوينه على نحو يختلف تمامًا عَن الطفل غير القارئ.