كان الدكتور أحمد زكي (رحمه الله) رئيس تحرير مجلة العربي الأسبق أديباً وعالماً ومفكراً متميزاً. وفي أحد كتبه الأدبية وهو كتاب "ساعات السحر" حكاية عن علاقة الحمار بالهدف.
وتتلخص هذه الحكاية في أن الدكتور أحمد زكي وجد ولداً من "أولاد البلد" يضحك على حمار بجزرة. كان الحمار حماره، وكانت الجزرة جزرته. كان مع الولد عصا طويلة وضعها على عنق الحمار بالطول، ثم ربطها بعنقه، فامتدات أمام رأسه متراً، ثم ربط في طرف العصا أمام الحمار جزرة. وعندما رأى الحمار الجزرة تتأرجح أمام 

عينيه أسرع الخطا لينالها، ولكنها استمرت في مكانها لا تقترب، وكلما أسرع الحمار أسرعت، وكلما أبطأ أبطأت، وظلت المسافة بين فم الحمار وبين الجزرة ثابتة، ومع ذلك فقد استمر الحمار يسعى للحصول على الجزرة.
وكلما تذكرت هذه الحكاية أتذكر أهمية الأهداف في حياة الإنسان والكائنات الأخرى فالإنسان يعتقد أنه أذكى من جميع الكائنات، ويعد الحمار أغباها وأكثرها غفلة وبلادة، لكنه في النهاية يعمل ويشقى ربما مثل الحمار ليصل إلى أهدافه القريبة أو المتوسطة أو البعيدة.
فالحياة بما فيها من نظم وأعمال وما تزخر به من أهداف يمكن تطبيقها على الإنسان أو ربما على غيره من الكائنات. لابد من هدف يتراءى للإنسان حتى يظل يركض وراءه، نظل نركض ونشقى في الحياة، ونكد أجسامنا وعقولنا، نظل نبحث ونجري وراء الهدف أو الأهداف ولا نشبع بعد الوصول إليها.
كثير من الناس يصلون إلى هدفهم أو أهدافهم ولكنهم يصنعون لهم أهدافاً أخرى. كثير من الناس وصلوا إلى الثروة المناسبة ولكنهم استمروا في جمع مزيد من المال!!.
فكلما وصل الإنسان إلى نهاية هدف، تراءى له أن هناك شوطا آخر، ونظل دائماً عبيداً لآمالنا ومطامعنا، سواء كانت صادقة أم كاذبة، أمينة أم خادعة، سعيدة أم شقية. ويبدو أن الإنسان عندما يقتنع تماماً ويزهد في بدء شوط جديد من الأمل أو الهدف تصيبه آفة الخمول أو أنه قد انتهى، والإنسان غالباً لا يحب أن يموت أو ينتهي...!!
إن الحياة مسرح كبير مفعم بالضجيج والحركة والآمال، وليس من طبيعة الحياة أن تقف، لأن الحياة هي محصلة ما يقوم به الناس من حركة مستمرة إلى الأمام، حركة فيها كثير من الإخفاق والنجاح، فيها مزيج من السعادة والشقاء، من الحزن والفرح والرجاء.
إنها دنيا واسعة فيها كثير من الجهد والضجيج من أجل بلوغ الأهداف. وعندما يصبح البشر قانعين ويستريح كل منهم إلى ما وصل إليه، فهل يمكن أن تكون هناك حياة زاخرة؟!
إن الحياة لا تتوقف من أجل أن يحقق الإنسان هدفاً ويستريح، بل ينبغي أن تصبح الحياة أجمل بمزيد من الأهداف لخدمة الذات والآخرين، والسعيد من جعل هدفه في الحياة كما قال الامام علي رضي الله عنه :
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"...