الحمامات البغدادية حكايات اغرب من الخيال!!
الحمام.. أو مايعرف بـ(حمام السوق) واحد من ملامح المدينة، حيث أقتصر وجوده عليها ولم تعرفه القرية، لا بل شكل مذاقا خاصا لزوارها وأهلها، وهكذا كان الأمر بالنسبة لمدينة بغداد، حيث شكل الحمام جزءا من صورتها وقاموسا لذكرياتها، أرتبط بالكثير من تقاليدها الأجتماعية..
دكة الحمام منصة لحكايات سرية وعلنية، تحاول أن تطلقها مجلة (الشبكة العراقية) من خلال هذا الملف، ليس فقط لاستدراج ذكريات الحمامات وروادها والعاملين فيها وأنما لمحاولة لفت الأنتباه الى هذا الجزء الحيوي من خزان ذاكرة المدينة وأهلها، حيث يكاد هذا المعلم الحياتي ينقرض، ماعلاقة سباق الخيل(الريسز) بالحمامات البغدادية؟
لما أشارت الساعة الى العاشرة صباحا، في نهار شتوي بارد، كان في داخل حمام التميمي للنساء، الواقع في منطقة علاوي الحلة، نحو تسعٍ من النسوة الكرخيات، يجلسن، بعضهن على أرضية الدكة الدائرية المعروفة لدى البغادلة بأسم(الجهنمية) لشدة سخونتها، مصنوعة من الحجر ومكسوة بقطع من (كاشي الفرفوري) المطرز بالنقوش، فيستلقين عليها قبل الغسل واستخدامهن لقماش كيس التنظيف مع الحجر الأسود لجلي كعوب أقدامهن، ولما أرتفعت حرارة مشعل الحمام (طباخ البريمز) الذي تطل فوهته النارية أسفل سطح الدكة الجهنمية وبعدما دق مؤشره معلنا ناقوس الخطر لتصل درجة حرارته الى نحو120 درجة مؤية، أنفجرت الجهنمية وسمع دوي صوتها المستحمون وعمال حمام الرجال المجاور له، ولم يصبن النسوة بأذى، لكنهن هلعن من شدة الفزع، وركضن عاريات يصرخن الى خزانة (بقجهن) ليحملن أي ثوب أو عباءة تقع عليها أيديهن، ليسترن أجسادهن العارية ثم خرجن، وخلال ثوان خارج الحمام وعبرن الشارع حافيات مسرعات صوب الجهة المقابلة ليدخلن من أحد الأبواب الثلاثة المفتوحة لسينما قدري(سينما بغداد)، التي تبعد عشرات الأمتار، وحشرن أنفسهن في زاوية حالكة الضلام، حيث كانت تعرض ولأول مرة أحدث أفلام هوليود (الكاوبوي) منذ أقل من ساعة قبل الحادث ولم ير مشاهدو الفيلم أو عمال السينما أولائي النسوة، سوى عامل قطع التذاكر الذي كان جالسا على كرسيه في غرفة التذاكر المطل شباكها على الخارج وبابها على صالة مدخل السينما المضاء بالأنارة وأشعة ذلك اليوم الشتوي البارد المشمس، فذهل صاحبنا لما رأى ولثوان بعضاً من سيقان النسوة المكشوفة وخصلات شعرهن المبلل وهي تتدلى على الأكتاف العارية، كانت هذه المشاهد أشبه بلقطات لفلم سريع تمر من جانبه، وتجمعن عند مدخل صالة العرض الغارقة في الضلام الدامس والضاجة بالمواجهات القتالية المثيرة مع أصوات انفجارات اطلاقات المسدسات الطويلة من نوع وبلي.
ركض (المدلكجي) حسن باجة مع بقية أصدقائه العمال يقودهم صاحب الحمامين، ليدخل وحده ويتفقد حال زوجته المسؤولة عن حمام النساء، فأخبرته بالأمر، وسلامة النسوة اللواتي لم يبقين في السينما سوى دقائق معدودة، ثم عدن بعد أن هدأن من روعهن وأحتشمن بصورة مقبولة، وعدن الى خزانة الأمانات عند مدخل الحمام ولبسن ثيابهن، وتركن متاعهن من الفواكه وكمية من صابون الرقي(المعدل)، التي كانت من حصة المدلكجي حسن باجة، بعد أن جمع الغنيمة، وعزم عليها عدداً من أصدقائه في أحدى جلسات السمر الليلية في غرفة مبيته بالطابق الثاني العلوي لحمام الرجال، بعد أن بشرهم:
الليلة تكون (مزة) المشروب على حسابي.
 وبقيت تلك الحادثة يحكى عنها في المقاهي البغدادية وخصوصا في منطقة الكرخ، وغابت النسوة الهاربات عن الحمام مدة عام، بعد أن أغلقه صاحب الحمام طوال هذه الفترة.

حسن باجة.. نصف قرن تدليك
المدلكجي حسن باجة، وبالرغم من زهوه بنفسه واسرافه بما تدر عليه مهنة الدلاكة من أرباح ومكافآت مالية وهدايا من زبائنه، لكنه كان متفانيا في عمله، ومرحباً به في عموم حمامات الكرخ والرصافة، كونه أمينا في عمله ويقوم بمهمات أخرى دون أن يطلب منه صاحب الحمام، فينجز أحيانآ مهمة المشعلجي الذي تقع عليه مسؤولية تهيئة ايقاد نار الحمام منذ ساعة الفجر، مثلما يقوم أيضا بصيانة أنابيب المياه والحنفيات، بل حتى ترميم جدران الايوانات الداخلية ان أقتضت الضرورة، ناهيك عن مهمته الأساسية في التدليك وعلاج حالات التشنج العضلي، اضافة الى زبائنه الخصوصيين من خيالة الفروسية، أو مايسمونه (سايس الخيل) الذي يتسابق بفرسه في منازلات (الريسز)، فيحتاج على الدوام الى تخفيف وزنه ليكسب الرهان ويفوز بالنزال، فيعالجه بمساج ورثه من المدلكجية القدامى المعتبرين الذين لم يتوانوا في تعليمه أسرار مهنتهم، بعد أن يدخل المستحم السايس، في خزان للماء الساخن، ويقف ليصل ارتفاع الماء الى مستوى صدره، ويبقى لساعة أو أكثر ثم يخرج ليستلقي على ظهره وسط سطح الدكة الجهنمية حيث يستخدم المدلكجي حسن (الطاسة النحاسية) بكلتي يديه، ويضغط بها على فخذه ويسحبها الى أسفل ساقه عند قدميه لمرات عديدة ويسحبها رواحا ومجيئا، وبالطريقة ذاتها، عندما ينقلب المستحم (السايس) على بطنه، فيخرج من جسمه كمية لابأس فيها من الشحوم الساخنة والزيتية المحشورة تحت مسامات جلده.

سر حمام أيوب الذي مازال غامضا
الدلاك الملقب بأسم (حسن باجة) 70 عاما، يعود لقبه ،لكثرة تناوله لحم رأس الغنم (الباجة) وغالبا ما يلتهم لوحده (راس باجة بالتمام والكمال) كون طبيعة عمله في الدلاكة تحتاج الى مجهود كبير ويتحمل أعباء حرارة الحمام على طول ساعات النهار والليل، وعلى أثرها أشتهر بهذا اللقب، بحسب المقربين من أصدقائه، وعمل في هذه المهنة طوال 50 عاما تقريبا، توزعت بين العديد من حمامات بغداد القديمة، وكانت محطته الأولى منذ أن كان شابا يافعا في حمام أيوب، مقابل سوق(هرج) في الميدان، عند حي (الصابونجية)، يومها كانت تعلق مشاعل الفوانيس على الجدران الداخلية للمنزع والمنشف والمغسل، والتي يتوهج ضؤها من نار الفوانيس و(اللالات) ويثبت اول فانوس منها، ويعلق عند باب الحمام الخارجي، ولما يوقد فانوسه، فهذا يعني أشارة للزائرين أن الحمام مفتوح بابه، ومع مطلع الأربعينات، كان يشغل حمام أيوب المدلكجي المعروف لدى أصحاب الحمامات، حجي أحمد، الذي وافاه الأجل فيما بعد، وفي أحدى الحوادث الغريبة والمرعبة وكأنها ضرب من الخيال، وقد رواها أحد الزبائن المستحمين الى الدلاك حجي أحمد ونقلها بدوره الى الدلاك حسن باجة، الذي لم يتوان في الحديث عنها بشغف، قال:
كان ذلك الزبون البغدادي الكردي، عامل (عجان) في مخبز قريب من حمام أيوب، قرب وزارة الدفاع القديمة، في الجهة المقابلة للحمام، وغالبا ما يمد رقبته من دكان المخبز وينظر الى الحمام وخصوصا في وقت الفجر، ليرى فانوس باب الحمام المعلق على جدار الباب، أن كان مشتعلا، ليذهب ويستحم بعد أنجازه لعمله بتحضير كمية من خميرة عجين الخبز في وقت الفجر، قبل ايقاد تنور المخبز، فيذهب للحمام ويعود مسرعا لأكمال عمله، وذات مرة وكالعادة دخل حاملا (بقجة) ملابسه النظيفة وشاهد صاحب الحمام الذي يجلس وسط باحة التنشيف، قرب الباب الخارجي، فسلم عليه بالطريقة البغدادية: صبحكم الله بالخير أغاتي، فرد عليه الرجل التحية، ولما هم بالدخول ونزع ملابسه، وارتدى وزرته ولفها حول خصره، وقبل أن يسكب الماء على جسمه، استغرب من عدم وجود أي زبون داخل الحمام، على غير العادة في المرات السابقة، فلم يبالي وجلس على دكة (الجهنمية) الدائرية شديدة السخونة، وبدأ يسكب الماء على جسمه ولما استخدم (صابونة الرقي) ودهن بها شعر رأسه قبل أن يستخدم (الليفة) وأغمض عينيه من وغف الصابونة الشديدة اللزوجة، كان قد وقف أمامه فتى يافع، قد عرفه من نبرة صوته، ناداه بصوت خافت:
(عمو تريد أسويلك ظهرك واليفلك أياه)؟
فرد عليه بالموافقة معبرا عن امتنانه:
(رحم الله والديك وليدي). وبدأ الفتى بمسك الليفة والصابونة ودهن جسمه، ولما أنتهى من ظهره تحول، ليقف أمامه وبدأ يسكب الماء على رأسه المتدلي الى الأرض، ولما فرك صاحبنا عينيه وفتحهما وهو مازال مطأطأ رأسه وينظر الى أرضية الحمام، أرتعد وأصابه الذعر، عندما شاهد قدمي الفتى على صورة قدم خف البعير!، فلم يتمالك نفسه وهرب يركض عاريا الى خارج أيوان الغسل ليخبر صاحب الحمام الجالس في وسط صالة المنزع والتنشيف، عند مدخل الباب الخارجي، فأخبره محاولا أن يصف له مارآه، ولكنه كان مرتبكاً ومرتجفاً وكأن لسانه أصابه الشلل:
(عمي هاااا، هذا واحد كاعد جوه، كلي أغسلك، شكله مثل أههههه، مثل البعير)!
فضحك منه صاحب الحمام، وقبل أن يشير بأصبعه ويكشف عن قدميه هو الآخر، سأله: يعني شنو رجلين بعير، حتى أشار الى أحدى قدميه بعد أن رفعها ثم ضحك منه وقال له مستفهما منه: يعني مثل هذه؟
كانت قدما صاحب الحمام هي الأخرى على شكل خف البعير!
فركض صاحبنا الفران مسرعا مذعورا الى الخارج، وكاد يصيبه الجنون، فشاهده أحد أصدقائه في الفرن، قد خرج اليه واستوقفه وهدأ من روعه، وسأله عن حالته، فأخبره بما شاهده، فجمعوا رفاقهم الآخرين وذهبوا جميعهم الى الحمام ليستطلعوا الحادث، والمثير أيضا في الأمر، لما تجمهروا أمام الباب الخارجي للحمام، وجدوه مقفلا، ومشعل الفانوس المعلق على جدار البناية بجانب أعلى الباب منطفئ، باشارة الى أن الحمام مقفل ولم يفتح أبوابه بعد!!
ولم تقف الحادثة عند هذا الحد، فلما فتح الحمام، ذهبوا مرة أخرى ودخلوا وسلموا على صاحبه وأخبروه فاستغرب لما سمعه وسخر منهم وبين أن الحمام كان مقفلا، ولم يكن موجودا بداخله، ولكن أصدقاء الفران، قد صدقوا رواية صاحبهم، وبقيت الحيرة تلف أذهانهم، لا اجابة شافية على تساؤلاتهم، بعدما تأكدوا من صحة ماحدث له، عندما عثروا على ملابس صاحبهم الفران التي كانت موجودة في المنزع، حين كان الحمام مقفلا!!
ولم تنته عند هذا الحد مرويات المدلكجي حجي أحمد، منذ أن كان شابا، قدم من محافظة الناصرية، يومها كان مزهوا بنفسه، قبل أن يكبر ويأكل الدهر من عافيته، كان في أغلب الأوقات يبيت داخل الحمام في خان صغير بالطابق العلوي بحسب ما أوضحه الدلاك حسن باجة الذي مارس مهنة التدليك لأول مرة في حمام الجمهوري الواقع عبر الضفة الثانية من نهر دجلة بجانب الرصافة في شارع الكفاح العام 1957م وبالقرب من الحمام المالح الذي يعد من الحمامات البغدادية القديمة، التي مازالت حاضرة للآن، أما أقدم الحمامات في بغداد عموما، فيقع بجانب الكرخ ومازالت بعض من ملامح عمارته شاخصة بعدما صار خربة، يدعى حمام (شامي) الذي يعود بناؤه الى حقبة موغلة بالقدم، وتميز بخصوصية عن الحمامات الأخرى، حيث قيل عنه، أنه في أحد المرات، أستحم واغتسل فيه الامام موسى الكاظم(ع)، وقد بين المدلكجي حسن باجة، صدق ماذهب اليه، بوجود قطعة حجرية قديمة مساحتها متر مربع معلقة على باب الحمام الخارجية، نقش عليها مامفاده، أن الامام الكاظم(ع) السلام قد استحم في هذا الحمام.
ثم يذهب حسن بحديثه عن هذا الحمام المبروك بحسب نظره، قال عنه:
حمام شامي مقسم الى حمامين متشابهين للرجال، يجاوره حمام النساء، ومساحة كل منهما تصل الى1000م مربع تقريبا، مصممان على شكل سردابين، والداخل اليهما ينزل الى قرابة (16 باية) تحت الأرض!

شاهد عيان: بنات الجن يأكلن النذور، وأماني النساء
يعد يوم الاربعاء من كل أسبوع يوما مكروها للاستحمام والغسل، بحسب أعتقاد النسوة الكرخيات، أن بنات الجان يغتسلن داخل الحمام في هذا اليوم، ولكنهن يحضرن الى حمام النساء في ظهيرة هذا اليوم، ويحملن على رؤسهن (الصواني) الكبيرة العامرة بصحون الزاد وحلوى (الكليجة والجكليت) وأغصان والآس والحناء والشموع، ويدخلن الى باحة الغسل ويضعن صواني نذورهن على دكة (الجهنمية) المنطفئ مشعلها في ذلك اليوم ويتركن القصاع العامرة بالزاد تبيت هناك حتى اليوم الثاني من صباح يوم الخميس، ويوفين مابذمتهن من النذور السابقة، ويطلبن النذور اللاحقة، مثل طلب الرزق بطفل للمرأة العاقر، أو المرأة (الزعلانة) من زوجها، أو المطلقة، تتمنى أن يعود لها زوجها، أو تيسير زواج أحدى بناتها، أو أبنائها وما شابه على شاكلة هذه القضايا، ولما يغادرن المكان، يتركن القصاع مركونة على دكة الجهنمية على حد قول المدلكجي حسن باجة، الذي تحدث عن طبيعة عمله في حمام شامي قال: كنت أعمل بمهنتين في حمام شامي، الأولى مدلكجي في حمام الرجال والثانية، مشعلجي، لايقاد شعلة الحمامين للرجال والنساء، ثم يضيف متحدثا عن أبرز مشاهداته: لم أصدق ماكان يقوم به النسوة الكرخيات يوم الأربعاء، فأخذني الفضول ذات مرة بعد أن جمعت شجاعتي لفحص المكان والنظر من نافذة الباب الخشبية المخرومة بشكل مربع، مغطاة بالزجاج لأرى ماسيحل بقصاع الزاد، كان الوقت يشير الى الساعة الثامنة أو التاسعة مساء، في أحدى ليالي يوم الأربعاء، فذهلت حين شاهدت عدداً من الأفاعي الفاتحة لونها، والقريبة من لون (ملح) الزاد مرقطة بنقاط داكنة، ويلتفن حول دكة الجهنمية ثم يتسلقنها، صوب زاد القصاع المركونة على سطحها، ربما يتناولن وجبات الطعام والحلوى، كان عددهن قرابة 7 أفاع، طول الواحدة منهن أكثر من متر، ثم يضيف: لم أرى الأفاعي يتناولن الطعام لأني حين فوجئت بهن وراقبتهن قليلا، شعرت بنظراتهن المخيفة الي فأحسست بالهلع وأصابني الذعر ووليت أركض هاربا الى الخارج، والشيء الآخر الذي لايصدق، أن القصاع تجدها فارغة تماما في اليوم الثاني من نهار الخميس، عندما تحضر النسوة ويستحممن، ثم يرجعن بالصوان الفارغة الى بيوتهن.
ويذهب المدلكجي حسن الى أحد المواقف التي كان حاضرا فيما حمام شامي، ليثبت عبر مشاهدته الحية، ان هذا الحمام مبروك بزيارة الامام الكاظم(ع) بحسب قوله مبينا:
في أواخر ستينات القرن الماضي، قررت الجهات المعنية وبموافقة الحكومة، هدم حمام الشامي الذي أغلقت أبوابه وتوقف عن العمل وبات لايصلح للاستحمام فيه، وأحضرت عدداً من الشفلات والبلدوزرات لهدمه، وقد تعطلت أربعة منها، فتركوه وبقي على حاله خربا حتى الآن، حيث كان بيتي قريبا منه في حي الدوريين، وبقيت أمر من أمامه على الدوام متوجها لعبور جسر الشهداء صوب الرصافة الى حمام الرشيد الواقع خلف جامع الحيدر خانه. الذي عملت فيه لعدة سنوات، وأتذكر منه أحدى النكات التي حصلت معه في الستينات، حيث أشيع بالمحلة أن الحيدر خانه تطفوا على آبار من النفط، لم يعد بمقدوره السيطرة عليها! خصوصا وأن دربونة الحي الرئيسة، أمتلأت أرضيتها بالنفط الخام الأسود، وصارت ضجة كبيرة، بعدما تسرب النفط الى داخل (الحواش) البغدادية، فعلمت الجهات المعنية بوزارة النفط، وأحضروا الخبراء والمختصين بل حتى الصحفيين حضروا، وقد كنت سهراناً مع أصدقائي قبل موعد صباح ذلك اليوم، ونمت في سطح الحمام، حيث مازلت في سباتي العميق، فصحوت على ضجة حديث المحلة –ثم يواصل حديثه- كان هناك خزان للنفط الأسود في أرضية الحمام ولما تركناه واستحدثنا بناء خزان جديد في سطح الحمام، لتسهل عملية تدفق النفط الى المشعل، ولما تغيرت خارطة أنابيب مرور النفط وصارت تمتد من المشعل في سرداب الحمام الى أعلى السطح، حصل ثقب أو ما نسميه (ليك) في الأنابيب المتروكة والمتصلة بالخزان الأرضي مماتسبب في تسرب النفط منها الى الدربونة، ولما أفقت من نومي أخبرت المسؤلين عن مصدر النفط المتسرب عبر المجاري وتدفقه من سطح (المنهول الرئيسي) وان من أبرز الشخصيات السياسية التي قام بتدليكها حسن باجة، رئيس الجمهورية الأسبق عبد السلام محمد عارف، الذي كان يرافقه أربعة أشخاص بلباس مدني، جاءوا الى حمام شامي في الكرخ الساعة الحادية عشرة ليلا، وطلب عبد السلام في حينها من صاحب الحمام حضور أفضل مدلكجي، فبعث اليه بأحد العمال ويدعى سلطان، توجه مسرعا الى بيته القريب في الدوريين، وحظر حسن باجة وقام بتدليكهم واحدا تلو الآخر، وبحسب تعبيره لعملية التفريك قال:أخذتهم قاط بشتمان. والمقصود به شوطا من التفريك
 فشكره عبد السلام وأعطاه أكرامية نقدية، ماقيمتها تقريبا أجرة عشرة زبائن لكل واحد من الأربعة المستحمين المرافقين له على أقل تقدير على حد قوله.
أما أشهر زبائنه من الشخصيات الرياضية المشورة، كان يتردد عليه في حمام التميمي، المصارع عدنان القيسي، وهناك عدد من زبائنه من أصحاب الطرب العراقي الريفي الأصيل، منهم حضيري أبو عزيز وجواد وادي وداخل حسن وعبد الواحد جمعة وعبد الجبار الدراجي والمطرب الضرير المشهور، سعدي البياتي، وكذلك المطرب يوسف عمر الذي كان يحضر في حمام الرشيد بالحيدر خانة، وعن أفضل أكرامية حصل عليها حسن باجة قال:
رحمهم الله جميعا، كانوا غالبيتهم لايعطون شيئا يذكر من الاكرامية، وتقريبا جميعهم (يابسين) عدا المرحوم داخل حسن، في حمام التميمي، وصاحب المقام العراقي الأصيل، الأستاذ محمد القبنجي الذي يأتي أحيانا الى حمام الرافدين في شارع المتنبي.
باسم غفوري