شرح جميع دروس الفلسفة  
 Doros Bac Philosophie
bac 2015
 (الشخص,الغير,الحق و العدالة,الحقيقة,الحرية,النظرية و التجريب,الدولة,الواجب )
( السنة الثانية باكلوريا)





مفهوم الشخص في الفلسفة

 

الشخص، حسب تعريف جون لوك، كائن عاقل مفكر، ويكون على وعي بأنه هو نفسه ذلك الكائن العاقل حيث ما كان وفي أي زمان كان، يعي بأنه هو نفس الشخص الذي قام بفعل معين، ويظل ذلك الفعل لاصقا بهويته ووعيه مهما تغيرت الظروف وتعاقبت الأزمان. إن ما يحدد الهوية الشخصية إذن هو الوعي، فبواسطته تنسب الأفعال إلى الفاعل، وبه تثبت مسؤوليته عليها، وهو الذي يبرر الثواب أو العقاب. ولهذه الاعتبارات جعل جون لوك من مفهوم الشخص أحد المفاهيم القانونية الأساسية، ونظر إلى بعده الجوهري المتمثل في الوعي باعتباره المبدأ الأول الذي تقوم علية الأهلية القانونية والعدالة.
وأما الجسد فإنه لا يؤثر بأي شكل من الأشكال في الهوية الشخصية. لقد فصل جون لوك بين الوعي والجسد حين افترض، في إطار الجدل اللاهوتي-الفلسفي حول مسالة بعث الأجسام الذي كان على أشده في زمانه، إمكانية أن يبعث الإنسان في هيئة غير الهيئة التي كان عليها في الحياة الدنيا، وفي حال ظهر في هيئة جديدة فإنه لابد أن يتحمل مسؤوليته عن أفعاله إذا كان على وعي بأن الشخص الذي يقف أمام المحكمة في العالم الأخروي هو نفس الشخص الذي اقترف الذنوب التي تنسب إليه عندما كان في العالم الدنيوي. هذا هو الحل الذي اقترحه لوك للمعضلة اللاهوتية المتمثلة فيما لو بُعث الإنسان في جسم غير جسمه؛ وكان بعض المفكرين آنذاك قد طرح معضلة من التهمة أحد أكلة اللحوم البشرية، واشتركا في جسم واحد، وسيكون من المستحيل حينئذ أن يبعث شخصان في جسم واحد.
ولحل هذه المعضلة قام لوك بتجربة من تجاربه النظرية، حيث افترض جدلا أن أميرا من الأمراء انتقلت روحه إلى جسد إسكافي وسكنته بأفكارها ومشاعرها وهواجسها الأميرية. وأما روح الإسكافي فكانت قد غادرت جسده. والنتيجة هي أن الأمير سينظر إلى نفسه دائما على أنه أمير مهما كان الجسد الذي استقرت فيه روحه في النهاية. ومعنى ذلك أن الشخص الذي حصل له الوعي بذاته سيظل هو هو مهما تغير الجسم، وسيظل مسئولا عن أفعاله يوم القيامة إن بعث على هيئة غير هيئته الأصلية شريطة أن يكون على وعي بذاته. فالوعي هو أساس المسئولية والشرط الضروري لثبوت الأهلية القانونية والعدالة ومبدأ الثواب والعقاب. إن التمييز بين الإنسان باعتباره كائنا حيا والشخص باعتباره ذاتا مفكرة وتعي بأنها ذات مفكرة هو أساس الحل الذي اقترحه لوك لمسألة تغير الأجسام وثبات الهوية الشخصية ومتر تباتها على المستوى القانوني واللاهوتي.
وخلاصة القول أن انشغال جون لوك بمسألة العدالة هو الذي ساقه إلى صياغة مفهومه للشخص الذي صنفه في قائمة المفاهيم القانونية. ومن هنا يستمد تصوره للشخص قوته وراهنيته. فإذا كان الشخص كائنا عاقلا يعي باستمرار بأنه هو نفس الذات المفكرة في أمكنة وأزمنة مختلفة، فإن هذا الكائن وحده هو الذي يُفَعِّلُ القانون ويجعله قابلا للتطبيق. لأنه عندما يقوم بفعل ما يكون على وعي بأنه سيظل هو نفس الشخص الذي سيجازى أو يعاقب عنه في المستقبل. فإن تعرض للعقاب، يعود بذاكرته إلى الماضي فيدرك أنه هو نفس الشخص الذي اقترف ذلك الفعل في الماضي؛ وهذا الوعي ضروري لقيام العدالة، وبدونه لا يكون للقانون معنى

يعتبر الوعي بالذات، في نظر ديكارت، أكثر الأشياء وضوحا، فقد شك في وجود البدن وفي وجود العالم. وأما الشيء الوحيد الذي لا يطاله الشك فهو الوعي بالذات باعتبارها ذاتا مفكرة: فإذا كنت أشك، فإن معنى ذلك أني أفكر، وإذا كنت أفكر فإنني موجود؛ يمثل التفكير، إذن، قوام وجودي. هذه فكرة بديهية، وكذلك تعتبر الأفكار المتضمنة في الذات المفكرة أكثر الأشياء وضوحا على الإطلاق. ويمكن تعميم المبدأ الديكارتي على النحو التالي: إن ما يميز الإنسان هو وعيه بذاته، وهذا الوعي هو الذي يجعل منه كائنا متميزا، ويرقى به إلى مستوى الشخص الحر المستقل.
 

      مفهوم  الغير
  التأطير الاشكالي:

_المعنى المتداول: الغير هو الآخر.انه المختلف، فهو ليس من قبيلتي أو من بلدي أو لا يتدين بديني أو لا يتكلم لغتي... وهكذا فهو لا يشير الى فرد محدد، لأن كل ذات تنظر الى الغير باعتباره آخر مختلف عن الذات. _المعنى اللغوي: "...تغايرت الأشياء :اختلفت." و"الآخر بمعنى غير، كقولك : رجل آخر و ثوب آخر."(ابن منظور). ان لفظ الغير يشترك مع لفظ الآخر في نفس الدلالة فهما يشيران معا الى معنى المختلف و المغاير. وهذا الخلط في الدلالة يجعل المفهومين مترادفين، يدلان على الأشخاص والأشياء في نفس الوقت. 

_المعنى الفلسفي: " الغير هو آخر الأنا منظورا اليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر". "الغير هو الآخر،الأنا الذي ليس أنا". (جون بول سارتر). يميز سارتر بين الغير والآخر،فالغير يجب أن ينظر اليه كذات وليس كموضوع.انه ذات أخرى مقابلة للأنا،وهي مطابقة له في آن واحد لأنها ذات حرة وعاقلة ومريدة...أما الآخر فهو أعم من الغير،فقد يشير الى الغير أو الى أي شيء من الأشياء.انه يشير الى كل ما يخالف موجودا ما بوجه عام. ان التمييز بين اللفظين في دلالتهما الفلسفية يحيلنا على عدد من المفارقات التي تتأطر في شكل ثنائيات تستدعي التساؤل:

(الأنا/الغير)،(الذات/الموضوع)،(التقارب/التباعد).

وهكذا يمكن تقديم مفهوم الغير كاشكالية فلسفية في صيغة الأسئلة التالية:
 
-هل وجود الغير ضروري بالنسبة للأنا؟ وهل يمكن الحديث عن الأنا في غياب الغير؟ -كيف يمكن للأنا معرفة الغير بوصفه وعيا آخر؟ ألا يفقد الغير صفته كوعي وارادة حينما نحوله الى موضوع للمعرفة؟. -كيف يتحقق التواصل مع الغير؟.وهل يمكن قيام علاقة بين الأنا والغير بمعزل عن السيطرة والعنف وعلى أساس الاحترام والحوار؟. 

أولا: وجود الغير:

الاشكالية: بأي معنى يمكن الحديث عن الغير؟ هل وجوده ضروري للأنا؟
 
أ_ موقف ديكارت: لم تعرف الفلسفة تمثلا لمفهوم الغير، باعتباره ذاتا أخرى، الا في حقبتها الحديثة التي انتقل فيها الفكر الفلسفي من منظومة الموضوع الى منظومة الذات، كما صاغها ديكارت، وتأسيسا على الكوجيطو(أنا أفكر اذن أنا موجود)،نظر أب الفلسفة الحديثة الى الأنا أفكر بوصفها يقينا مطلقا مستقلا عن جميع الذوات،ومن هنا بات وجود الغير مجرد افتراض قابل للشك شأنه في ذلك شأن كل الموجودات.وهكذا يعتبر ديكارت أن الوعي بالذات لا يحتاج الى أي عنصر آخر، فوجود الأنا لا يتعلق الا بخاصية التفكير. ومن هذا المنطلق لا يعتبر الغير ضروريا بالنسبة لصاحب الكوجيطو لأن وجود الأنا مستقل تماما عن كل شيء باستثناء الفكر.

 ب_ موقف هيغل: يرفض هذا الفيلسوف الألماني(1770-1831) الموقف الديكارتي القائل بأن الوعي بالذات يتم في استقلال تام عن العالم، ذلك أن هذا الوعي القائم على الادراك المباشر للذات ينظر الى الذات الأخرى المقابلة كموضوع عندما يضعها موضع شك.والحال أن اثبات الذات باعتبارها تتصف بالارادة والحرية والاستقلالية والمسؤولية يقتضي حسب هيغل الحصول على اعتراف الآخرين،وهو مايستدعي ضرورة الدخول في علاقات صراع معهم،وهو صراع بمعناه الانساني الذي يحركه الوعي بحرية الذات واستقلالها،وليس بمعناه الحيواني الذي يتم بدافع غريزي يحركه حب البقاء والحفاظ على الحياة.وانسجاما مع موقفه الفلسفي ينتهي هيغل الى القول بأن الصراع بين ذاتين انسانيتين يؤدي الى خلق حالتين مختلفتين: 

-موقف السيد الذي يخاطر بكل شيء من أجل انتزاع اعتراف الغير به.
-موقف العبد الذي يعترف بالغير ويتنازل عن حريته وارادته.
وهكذا يرى هيغل أن العلاقة التي ينبغي أن تجمع بين الذات والغير، يفترض أن تتأسس على الندية والاعتراف المتبادل في اطار الاحترام والحوار.
استنتاج: ان وجود الغير ليس مجرد حكم افتراضي أو ممكن وقابل للشك،بل هو وجود ضروري من أجل وعي الذات بنفسها.


ثانيا: معرفة الغير .
الاشكالية: كيف يمكن أن نعرف الغير؟هل ننظر اليه كذات أم كموضوع؟.
   ان المعرفة نشاط تقوم به الذات من أجل تعقل وفهم موضوع ما،وبذلك تتأسس المعرفة على عنصرين أساسيين: 

_الذات: تقوم بعملية التفكير والفهم،وتتميز بالحريه والارادة والوعي.
_الموضوع: هو الشيء الذي تتجه اليه الذات العارفة،وهو عاطل،لأنه فاقد لكل الصفات والخصائص المميزة للذات.

 أ_ موقف سارتر: ان قابلية الغير للمعرفة تعني بالضرورة تحويله الى موضوع لنشاط معرفي تقوم به الذات،وهو الأمر الذي يؤدي الى تشييئه وسلبه مقوماته الذاتية من وعي وارادة وحرية. وهكذا يرى سارتر أن معرفة الغير باعتباره "أنا أخرى" عملية مستحيلة، لأن هذه المعرفة تحدث بين الأنا والغير تباعدا كبيرا ،ذلك أن "الغير يتجلى لي على نحو امبريقي،بمناسبة ادراك جسم،وهذا الجسم هو شيء في ذاته خارجي بالنسبة الى جسمي." ومن هذا المنطلق يعتبر سارتر أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة متبادلة بين ذات وموضوع،لأن كلا من الطرفين يحد من حرية الآخر ويمارس نوعا من الرقابة عليه،وهو ما يعبر عنه بقوله:"اما أن أجعل نفسي ذاتا،فأحول الآخر الى موضوع،واما أن أنظر الى الآخر كذات فأدعه يحولني الى موضوع." اذ تكفي نظرة احتقار من الغير لتشعر الذات بالخجل والضيق والدونية. ولعل هذه العلاقة اللامتكافئة بين الأنا والغير هي التي ألهمت سارتر قولته الشهيرة :"الجحيم هو الآخرون". استنتاج: لا يمكن الحديث بصدد الأنا والغير عن علاقة بين ذاتين،لأن معرفة الغير تقتضي تحويله الى موضوع مثل سائر الموضوعات والأشياء.

ب_ موقف ميرلوبونتي: ان الشرط الأساسي لتفادي تشييء الغير وموضعته هو مشاركته في أحاسيسه ومشاعره،وهو ما يقتضي العودة الى الذات لفهم ومعرفة الغير.ان مايعبر عنه ميرلوبونتي بالتعاطف هو وحده الكفيل بتحقيق تلك المعرفة،فادراك خوفه وآماله وآلامه لا يمكن الا من خلال شعوري بخوفي وآمالي وآلامي.وهنا يتجاوز حضور الغير بالنسبة للأنا حدوده المعرفية الضيقة الى مستوى انساني، يحضر فيه التواصل والتفاهم بدل التشييء، فحينما تبقى كل ذات حبيسة أنويتها وفرديتها لا يمكن خلق معرفة انسانية متبادلة بين الطرفين. وهكذا يرفض الحديث عن وجود ذاتي ومنغلق للانسان، ويتكلم بدل ذلك عن وجود مع ومن أجل الغير. وبهذا المعنى،لا يمكن لنظرة الغير أن تحولني الى شيء الا اذا ظل كل منا حبيس عالمه الخاص،"فلا يعلو كل وجود معين على الآخرين بصورة نهائية الا حين يبقى عاطلا، ويتوطد في اختلافه الطبيعي."
استنتاج: لا ينظر ميرلوبونتي الى الغير بوصفه مجرد كتلة بيولوجية،بل يتحدث عن ادراك الغير كوعي وليس كجسد،ومن تم لا يتم ادراك تعبيرات الغير الا من خلال مقارنتها بتعبيرات الأنا،وتلك مشاركة وجودية تنقل معرفة الغير من مستواها الموضوعي الى مستواها الانساني. 


ثالثا: الأنا والغير .
الاشكالية: كيف يتحدد موقف الأنا من الغير؟ هل على أساس الاحترام والتسامح أم النبذ والاقصاء؟.
تتحدد علاقة الأنا بالغير في نموذجين مختلفين:
 _القبول: ويتجلى في: الحب – الصداقة – الحوار – التسامح...
_الرفض: ويتجلى في: الكراهية – العداوة – التعصب – العنف... 

_أ_ تجربة الصداقة
انها علاقة ايجابية مع الغير،يحضر فيها الصدق والود والتعاطف.ولكنها تتم وفق بعض المواصفات والشروط.فماهو أساس الصداقة؟. يرى أفلاطون أن الصداقة لا يمكن أن تقوم بين شبيهين،لأن الشبيه لا يمكن أن يصادق مثيله.ولكنها أيضا لايمكن أن تقوم بين نقيضين،لأن الخير لا يمكن أن يجتمع مع الشر.انها حالة وجودية وسطى تقع بين كمال مطلق ونقص مطلق،فلا يمكن للصديق أن يتمتع بالكمال التام والخير الأقصى لأن هذا الشخص يكون مكتفيا بذاته وغير محتاج لغيره.وهكذا يعتبر أفلاطون أن الصديق هو من يتوفر على نصيب من الخير والطيبوبة،ويسعى الى تحقيق مزيد من الكمال والخير،أو من تنقصه صفات الخير والطيبوبة،ولكنه ليس شريرا باطلاق،ولذلك فهو يطلب صداقة من هو طيب وخير من أجل خلق توازن ذاتي. وبهذا المعنى نخلص الى أن الصداقة علاقة مودة تجمع بين شخصين يتمتع أحدهما بكمال نسبي ،بينما الآخر ناقص نقصا نسبيا.
أما أرسطو فيعتبر الصداقة ضرورة اجتماعية تنظم العلاقات البشرية، فاذا سادت الصداقة في المدينة، لا يحتاج المجتمع الى مؤسسات قضائية للفصل بين المنازعات،وهي أيضا ضرورة أخلاقية لأنها فضيلة تعبر عن خصال انسانية سامية،ولكن شريطة أن تكون قائمة على الخير والحب بدل المنفعة والمتعة.

_ب_ نموذج الغرابة:
 اذا كان مفهوم الصداقة لا يثير اشكاليات كبيرة نظرا لأن هذه العلاقة الانسانية تفترض مجتمعا صغيرا ومحدودا،فان الحديث عن الغرابة يثير العديد من التساؤلات،ويكفي في هذا الاطار أن نحيط بالمعاني العامة التي يشير اليها لفظ الغريب،لنقف على أهمية هذا اللفظ ودلالاته،اذ يشير المفهوم الى معاني: المجهول و الغامض والمخيف... وبهذا المعنى تصبح نظرة الغرابة متجهة الى كل ماهو مخالف لثقافة أو دين أو عرق مجتمع معين،حيث يتحدد الغريب في اطار العلاقات البشرية باعتباره ذلك الدخيل الذي يهدد تماسك الجماعة وتوازنها الداخلي،وهو ماينشأعنه نزوع الى العدوانية والرفض والتهميش من أجل استعادة التوازن والاستقرار .الا أن الحفاظ على التماسك الاجتماعي ليس سوى تعبيرا عاما يتم بموجبه تبرير اقصاء ورفض ذلك الغريب.وفي هذا المقام تعتبر جوليا كريستيفا أن الغرابة لا ترتبط فقط بالأجنبي الذي يهدد الكيان الاجتماعي،بل هو حاضر داخل الجماعة الواحدة نفسها من خلال اختلاف أفرادها وتناقضهم،وهو ما تعبر عنه بقولها:"ان الغريب يسكننا على نحو غريب". ومن هذا المنطلق بات من الطبيعي أن تكون العلاقة بين الأنا والغير قائمة على أساس من التفاهم والحوار والاحترام المتبادل،وليس على النبذ والصراع والعنف،وذلك لسبب بسيط هو أن الغير أنا آخر .ولكن الحوار بين الطرفين، في مختلف تجلياته الفردية والمجتمعية والثقافية، ينبغي أن يكفل لهما معا حق الاستقلال والحفاظ على الهوية دون أن يسعى أي طرف الى تذويب االآخر أو احتوائه.

تركيب عام:
ان مفهوم الغيرية ينطوي على أهمية قصوى، وذلك بسبب حالة الالتباس التي تميز الغير فهو في ذات الوقت يتراوح بين المخالفة والمشابهة، انه "الأنا الذي ليس أنا" بتعبير سارتر.وما يشير الى أهمية العلاقة بين الأنا والغير في عصرنا الراهن، هو واقع العالم الذي أصبح مهددا بسبب تغليب منطق العنف والاقصاء، بدل الحوار والتسامح.

الحق و العدالة




    إذا كان مفهوم العدالة صفة لما هو عادل بحيث يحتوي معاني متعددة كالفضيلة الأخلاقية و التصرف وفق القوانين و التشريعات ، مما يجعل العدالة ترتبط بالمؤسسات القانونية و التشريعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد كما يرتبط بالقيم الأخلاقية، فإن مفهوم الحق متعدد الدلالات حسب المجال الذي يستخدم فيه، ففي المجال المعرفي المنطقي يفيد الحق الحقيقة و اليقين و الإستدلال السليم أما في المجال الأخلاقي فإنه يفيد العدل و المساواة و الإنصاف مما يجعل مفهوم الحق و العدالة متذاخلين و ينفتحان و يتقاطعان مع مفاهيم أخرى مما يثير مجموعة من الإشكاليات منها:

-هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على ما هو قانوني؟

-ما هي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة؟ أيهما يتأسس على الآخر؟

-هل يمكن وجود الحق خارج القوانين و التشريعات؟

-إذا كانت العدالة هي تحقيق للمساواة و الإنصاف فهل تستطيع أن تنصف جميع الأفراد داخل المجتمع؟

الحق الطبيعي و الحق الوضعي:

هل ترتبط العدالة بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟

نص:طوماس هوبس:

الإشكال:هل للعدالة ارتباط بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟ 

أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي و تتعارض مع الحق الطبيعي لأن الحق الطبيعي يحتكم إلى القوة و يخضع لتوجيهات الغريزة و الأهواء مما يجعله حقا يقوم على الحرية المطلقة التي تبيح للفرد القيام بكل مامن شأنه أن يحفظ حياته )العدوان ،العنف ، الظلم(أما الحق الوضعي فهو حق يحتكم إلى القوانين و التشريعات المتعاقد عليها و يخضع لتوجيهات العقل مما يجعله يحد من الحرية المطلقة لكنه يضمن حقوق الأفراد و يحقق العدل و المساواة ،و بذلك يخلص هوبس إلى أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي القانوني أي بالحرية المقننة بالقوانين و التشريعات و تتعارض مع الحرية المطلقة التي تستند إلى القوة و الغريزة.

نص: جان جاك روسو:

الإشكال: هل يمكن تحقيق العدالة خارج القوانين أم تشترط الإرتباط بها؟

أطروحة النص: يميز جان جاك روسو بين حالة الطبيعة التي يخضع فيها الأفراد لأهوائهم و رغباتهم بحيث تطغى عليهم الأنانية و الذاتية و يحتكمون إلى قوتهم ، و بين حالة التمدن التي يمتثل فيها الأفراد لتوجيهات العقل و يحتكمون إلى القوانين و التشريعات في إطارغقد اجتماعي يساهم الفرد في تأسيسه و يلتزم باحترامه و طاعته و يمارس حريته في ظله.

إذن فالعقد الاجتماعي يجسد الإرادة العامة التي تعلو على كل الإرادات الفردية، فالإمتثال و الخضوع للعقد الإجتماعي هو خضوع للإرادة الجماعية التي تحقق العدل و المساواة و تضمن الحقوق الطبيعية للأفراد و بذلك فالإمتثال للقوانبن التي شرعها العقد لا تتعارض مع حرية الفرد مادام العقد الإجتماعي هو تجسيد لإرادة الأفراد.

فماهي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة و أيهما أساس الآخر؟

العدالة اساس الحق:

ماهي طبيعة العلاقة بين العدالة و الحق؟أيهما أساس الآخر؟

إشكال النص: ماهي دلالة العدالة؟ هل تقوم العدالة على أساس الحق و الفضيلة ؟ 
أطروحة النص: يحدد أرسطو مفهوم العدالة باعتبارها هي التصرف وفق القوانين و التشريعات و تحقيق المساواة في مقابل الظلم الذي يعتبر خرقا للقوانين و منافاة للمساواة ليؤكد أن العدالة هي حد وسط بين الإفراط و التفريط ، و قد اعتمد أرسطو أسلوبا حجاجيا وظف خلاله التقابل و التمييز و التأكيد، فهو يميز بين نوعين من العدالة : عدالة بمفهومها الأخلاقي أي الإمتثال للقوانين و تحقيق الفضيلة الأخلاقية و عدالة بمعنى المساواة و الإنصاف و تنقسم إلى عدالة توزيعية تقوم على توزيع الخبرات الإقتصادية بين الأفراد بالمساواة حسب طاقاتهم و أعمالهم ، و عدالة تعويضية تقوم على تنظيم المعاملات بين الناس على أساس القوانين و التشريعات لمنع الظلم وتصحيح السلوك الذي ينحرف عن القانون ، ليخلص بعد ذلك إلى أن غاية العدالة هي تحقيق الفضيلة باعتبار العدالة أم الفضائل.

نص: باروخ سبينوزا: 

الإشكال الذي يجيب عنه النص:  ماهي الغاية من الديموقراطية و هل يمكن اعتبار العدل أساس الحق؟


أطروحة النص: يعتبر سبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديموقراطية و هو تحقيق الأمن و السلام للأفراد من خلال الإحتكام للقوانين التي وضعها و شرعها العقل و تم التعاقد عليها ، و بذلك يتم تجاوز قوانين الطبيعة التي تحتكم إلى الشهوة و الغريزة و تستند إلى القوة الفردية مما يؤدي إلى انتشار الفوضى و الظلم و العدوان و الكراهية و الصراع ، فالقانون المدني الذي تجسده الدولة كسلطة عليا هو قانون من وضع العقل و تشريعه، لذلك يجب على الأفراد الإمتثال له و الخضوع له حفاظا على حريتهم و حقوقهم لأنه يجسد العدالة و يسمح بأن يأخد كل ذي حق حقه بذلك تتحقق المساواة و الإنصاف من خلال ضمان حقوق الجميع و عدم التمييز بينهم سواء على اساس طبقي أو عرقي أو جنسي أو غيرهم ؟ إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة و الإنصاف و إعطاء كل ذي حق حقه فهل يمكن تحقيق الإنصاف لجميع الأفراد داخل المجتمع ؟

العدالة بين المساواة و الإنصاف:

إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة فهل يمكن تحقيقه لجميع الأفراد داخل المجتمع؟

نص:أفلاطون:

الإشكال: ماهي دلالة العدالة ؟ كيف يمكن تحقيقها على مستوى الفرد و المجتمع؟

الأطروحة : يبين أفلاطون من خلال تحقيق الإنسجام و التكافل بين قوى النفس القوة العاقلة القوة الغضبية ،القوة الشهوانية.

تتحقق السعادة النفسية إما على المستوى الإجتماعي فالعدالة هي تحقيق الإنسجام و التكامل بين الفئات و الطبقات المكونة للمجتمع الحكام الجنود عامة الناس حين يقوم كل واحد بالوظيفة التي هيأته طبيعته لها دون تذخله في شؤون غيره يتحقق التكامل و الإنسجام فتتحقق العدالة والفضيلة و بذلك تتحقق سعادة الدولة و المدينة.

لكن هل تتحقق المساواة المطلقة بنصف جميع الأفراد ألا يلحق الظلم و الجور في حق البعض؟

نص: ماكس شيلر: 

الإشكال : هل المساواة المطلقة إنصاف و عدل أم ظلم و جور؟

أطروحة النص: ينطلق ماكس شيلر من انتقاد الإتجاهات الأخلاقية الحديثة التي تدعو إلى المساواة المطلقة بين الأفراد بغض النظر عن اختلاف طبائعهم و تفاوت قدراتهم و مؤهلاتهم، ليؤكد خلافا لذلك أن المساواة التي تحقق العدل والإنصاف هي التي تراعي اختلاف الناس في الطبائع و التفاوت في القدرات و المؤهلات فهي إعطاء كل ذي حق حقه اعتمادا على قدراته و مؤهلاته و عطائه.

البنية الحجاجية: يعتمد النص آلية النقد و التفنيد فهو ينتقد الإتجاه الأخلاقي الحديث الذي يساوي بين الناس مساواة مطلقة دون مراعاة للإختلافات الطبيعية و التفاوت و التحايز في القدرات و المؤهلات و يؤكد أن هذه المساواة نابعة من حقد وكراهية من طرف الضعفاء و المتخلفين، اتجاه الأقوياء والمتفوقين ليخلص إلى أن المساواة الحقيقية هي التي تحقق الإنصاف اعتمادا على مراعاة الإختلافات و التمايزات بين الأفراد حسب طبائعهم و مؤهلاتهم الفكرية و العقلية و الجسدية.

( السنة الثانية باكلوريا)

إطار الدرس :

تحددت الفلسفة منذ نشأتها حتى بداية العصور الحديثة بوصفها بحث عن الحقيقة، لذلك فإن مفهوم الحقيقة ينتمي إلى مجال الفلسفة باعتباره مفهوما فلسفيا بامتياز، غير أن تعدد أشكال المعرفة التي تجعل من الحقيقة موضوعا لها يؤدي إلى تعدد الحقائق، ومن تم يمكن الحديث عن حقيقة فلسفية وحقيقة علمية وفنية ودينية... ومن هنا ينبع الطابع الإشكالي لهذا المفهوم التي ستتم معالجته تاريخية بدءا من الفلسفة اليونانية مرورا عبر الفلسفة الحديث وانتماء بالفلسفة المعاصرة.

I- من الدلالة إلى الإشكالية . 


أ- الدلالة المتداولة : يشير لفظ الحقيقة للدلالة المتداولة إلى معنيين أساسيين : الصدق والواقع، الحقيقي : هو كل ماهو موجود وجودا واقعيا، بينما الصادق هو الحكم الذي يطابق الواقع ومن تم، يكون الواقع هو مرجع الحقيقة وأساسها فكل ماهو واقعي حقيقي وكل ما هو مطابق للواقع صادق وحق.

غير أن هذا التحديد للحقيقة يطرح جملة من التساؤلات أليس اللاواقعي واللاحقيقي يمكن أن يوجد ضمن الواقع، مثل : الخطأ، الكذب، الخيال... فهذه الأشياء واقعية لكنها ليست حقيقة. معنى هذا أن ليس كل ماهو واقعي حقيقي أوكل ماهو حقيقي واقعي وبالتالي فإن الدلالة الحقيقية. الشيء الذي يفرض علينا تجاوزها والتفكير فلسفيا في مفهوم الحقيقة من خلال تحديد الدلالتين اللغوينوالفلسفية.

ب- الدلالة اللغوية يعرفها الجرجاني في كتابه التعريفات "هي الشيء التابت قطعا ويقينا، يقال حق الشيء إذا تبين، وهي إسم للشيء المستقر في محله ومابه الشيء هو هو الملاحظ أن الجرجاني في هذا التعريف يختزل الحقيقة فيما هو تابث ومستقر ويقيني يقابله المتغير والزائف والمتحول، وبذلك يلتقي هذا التعريف مع المعنى الأنطلوجي للحقيقة كماهية وجوهر في المقابل الأعراض المتغيرة والفانية. أما على المستوى المنطقي فيرادف لفظ الحقيقة الحق والصدق ويقابله الباطل والكذب فتصبح الحقيقة بهذا المعنى هي الحكم المتطابق مع الواقع، ففي الحق يكون الواقع مطابقا للحكم، بينما في الصدق يكون الحكم مطابقا للواقع وبذلك تكون الحقيقة صفة للحكم المطابق للواقع.

ج- الدلالة الفلسفية :

يعطي لا لونك 5 معاني للحقيقة : - الحقيقة بمعنى الحق حين يطابق الواقع الحكم وضده الباطل.

- الحقيقة بمعنى الصدق حين يطابق الحكم الواقع وضده الكذب .

- الحقيقة بمعنى الشيء المبرهن عليه.

- الحقيقة بمعنى شهادة الشاهد لما رآه أو فعله .

- الحقيقة بمعنى الواقع .

خلاصة : نستخلص أن الواقع عند la lande يتبقى معيارا وأساسها للحقيقة الشيء الذي يؤدي إلى طرح مجموعة من الاشكالات يمكن صياغتها على الشكل التالي : - إذا كانت الحقيقة تتميز بالثباث واليقين عما طبيعة علاقتها بالواقع المتغير؟ إذا كانت الحقيقة هي الحكم فهل هي صورة الواقع المنعكسة ففي الفكر والمعبر عنها في اللغة بمعنى آخر، لاتوجد الحقيقة خارج اللغة والفكر وإذا كانت هي الواقع فهل نسبية أم مطلقة ؟ متعددة أم واحدة ؟ ذاتية أم موضوعية ؟ هل توجد بمعزل عن الخطأ والكذب أي عن أصنافها ؟ أم أنها متلازمة ومتداخلة معها ؟ ماهي أنواع الحقيقة ؟ ومن ثم من أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ .

II- الحقيقة والواقع .

تمهيد :

سنعالج في هذا المحور طبيعة العلاقة بين الحقيقة والواقع من خلال استحضار التصورات الفلسفية المرتبطة بهذا الموضوع، سواء تحلق الأمر بالفلسفة اليونانية أو الفلسفة الحديثة أو الفلسفة المعاصرة.

- الإشكالية : إذا عرفنا الحقيقة أنها خاصية ماهو تابت ومستقر وبقية فما هي طبيعة علاقتها بالواقع كمعطى متغير ومتحول ؟ هل هي الواقع ذاته أم هي مطابقة الفكر للواقع ؟ أم أن الأمر يتجاوز هذا وداك.

1) الفلسفة اليونانية :

أ- أطروحة أفلاطون : يعتبر أفلاطون أن وراء التغير في الأشياء وتحولها الدائم ماهيات تابثة ودقائق خالدة تمثل الواقع الحقيقي سماها أفلاطون بعالم المثل وهو عالم أزلي خالد لايلحقه التغير والفساد لأن المتغير والفاسد هو الواقع المحسوس وهكذا وفي نظر أفلاطون هناك عالمين : عالم المثل و هو عالم سامي فوق العالم المحسوس ومفارق له، يمثل عالم الموجودات و الصور العقلية الثابتة التي منها تستمد جميع الأشياء الحسية ووجودها، ففي المقابل كل الأشياء الحسية الكثيرة والمتنوعة توجد صورة عقلية في عالم المثل هي أصل هذه الأشياء، وماهذا الأشياء الأخيرة إلا نسخ مشوهة لتلك الصور العقلية الحقيقية وبذلك يكون مبدأ الواقع الحسي هو عالم المثل الذي يعبر في نظر أفلاطون الواقع الحقيقي، فبينما ينتمي الواقع الحسي إلى عالم التغير والفناء، عالم الأوهام والنسخ المشوهة غير الحقيقية نجد عند أفلاطون أن الحقيقة لايمكن أن توجد إلا في العالم المعقول، عالم الصور العقلية الخالصة الذي لاندر كما إلا بالتأمل العقلي والمجرد التي يعوقه الحواس عن إدراك هذا الواقع الحقيقي .

- أرسطواطاليس .

إذا كانت الحقيقة حسب أفلاطون تابثة وعقلية، فإنها لاتوجد في عالم المثل، فهذه النظرية حسب أرسطوطاليس ليست سوى مجازات شعرية لا وجود لها في الواقع، لذلك فإن الحقيقة لاتخرج عن هذا العالم الحسي المتغير، فوراء تغير الأشياء ولاولى الدائم هناك الملهيات التابتة لأن التغير في نظر ارسطو لايتم إلا في إطار التبث والاستمرار وبذلك فإن الحقيقة عند أرسطو هي ماهية مجانية للأشياء متظمنة فيها يتم التوصل إليها بواسطة عملية التجريد تلغى فيها الأعراض المتغيرة الزائلة ويتم الاحتفاظ بالماهيات العقلية الكلية الذي تمثل الواقع الحقيقي وهكذا يعتبر أرسطو أن لكل شيء طبيعة جوهرية هي حقيقة التي توجد وراء الأعراض الحسية.

ينتهي إذن أرسطو إلى نفس موقف أفلاطون من الحقيقة وكل ما فعله هو إيزال تلك الصور العقلية زمن عالم المثل إلى الواقع الحسي وجعلها عقلية ومعقولة توجد في الفكر لكن إدراكها لابد أن يمر عبر الحواس الشيء الذي تجعلنا نواجه التساؤل التالي : - ألم تحول الحواس دون إدراك الحقيقة ؟ ثم حينما نحدد الحقيقة في العقل ألا نواجه إشكال آخر هو إشكال المطابقة، مطابقة الفكر للواقع، ألا يطرح هذا التطابق جملة من المفارقات الناتجة عن التناقض بين طبيعة الفكر والواقع.

2) الحقيقة بما هي مطابقة الفكر للواقع :

أ- أطروحة ديكارت، إن خداع الحواس وتشويش على العقل هو مادفع ديكارت إلى إقصاءها من عالم الحقيقة، حيث شك في لحواس وفي المعارف الجاهزة، والأحكام المسبقة... معتبرا أن الشك هو أضمن طريق للوصول إلى الحقيقة، التي جعلها تتحدد للأفكار الواضحة والمتميزة التي لاتقبل الشك. ينطلق ديكارت إذن من الشك في الحواس لأنها تخدعنا وفي المعارف السابقة وفي كل شيء إلى أن ينتهي إلى القول بفكرتين عقليتين هما : الفكر والامتداد وهما، فكرتين فطرتين في العقل استمدهما من ذاته اعتمادا على قواه الذاتية : يقول ديكارت "كل الموضوعات معرفتي أفكار في عقلي" الفكر خاصية الوحيدة هي التفكير ولايشتغل حيزا في المكان بينما الامتداد لايفكر، يمتد بالمكان ويمكن قياسه ومن منا ينتمي ديكارت إلى القول بالواقعين هما الفكر والامتداد، وهما واقعان متناضران لانستطيع أحدهما التأثير في الآخر الشيء الذي يجعلنا أمام عالمين متوازين، عالم روحي حقيقي هو الفكر واضح ومتميز يتطابق مع واقع حسي ومادي الشيء الذي يجعلنا نواجه التساؤل التالي : إذا كانت الحقيقة بناء عقليا خالصا فإن تحديدها كتطابق يطرح جملة من الاشكالات : كيف يمكن لشيئين من طبيعتين متناقضتين أن يتطابقا الحقيقة ؟ من طبيعة عقلية روحية، بينما الواقع من طبيعة مادية. كيف نضمت التطابق بينما في الأدهان، ومافي الواقع الخارجي ؟ .

الحل الذي يقدمه ديكارت الضمان الإلاهي يظل غير مقنع على الشيء الذي جعل بسينورة يقول، نحو مر الواحد الذي يكون بقيمته مستمد من ذاته وبالتالي فالحقيقة هنا هي معيار ذاتها .

ب- أطروحة جون لوك :

يرفض لوك أطروحة ديكارت الفاعلة للأفكار الفطرية فإذا كان العقل في نظره هو صفحة بيضاء وكل الأفكار والمعارف التي تحصل عليها من الواقع التجريبي فهذه الأفكار بتطابق مع الأشياء المادية وعليه فإن الحقيقة هنا هي تطابق الفكر والواقع وأساس الحقيقة هنا ليس هو العقل وإنما هو التجربة.

خلاصة : هكذا يقدم كل من ديكارت ولوك نضرة أحادية الجانب للحقيقة فدلكارت يميل إلى العقل ويجعله مصدر الحقيقة بينما يجعل لوك إلى التجربة و يجعلها مصدرا للحقيقة.

أطروحة على عكس النظرة الأحادية للجانب الإتجاهين السابقين. للحقيقة قدم كانط تصورا نقديا لكتب (جدلي) للحقيقة معتبرا أن هذه الأخيرة لاتوجد في الذهن على نحو فطري كما يقول ديكارت، وليست معطاة بالواقع الحسي كما يزعم التجريبيون، وإنما تبنى وتشيد. تأسس الحقيقة وفق هذا التصور النقدي على تطابق المعطيات الواقع الحسي مع البنية القبلية للعقل، فالواقع يزودنا بمادة الحقيقة والعقل يزودنا بصورتها وهكذا فلا وجود في نظر كانط لحقيقة عقلية خالصة، أو حقيقة تجريبية محضة، إن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وإنمامي انتظام معطيات الواقع الحسي مع النظام القبلي للعقل (المقولات، الزمان، المكان) تبقى الحقيقة إذن مشروطة لما تعطيه التجربة للعقل ومايمد به العقل معطيات التجربة، بمعنى آخر أن الحقيقة تظل رهينة مطابقة الفكر للواقع .

تحليل نص : الحقيقة الصورية والحقيقة المادية :

يتحدث هذا النص (الحقيقة الصورية والحقيقة المادية) لصاحب إما نويل كانط وهو بالمناسبة فيلسوف ألماني اشتهر بالفلسفة النقدية التي حاولت التوفيق بين الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية وقدم نظرة تركيب للحقيقة تحاول الجمع بين بعدها الصوري العقلاني وبعدها المادي التجريبي. والنص الذي بين أيدينا مقتطف من كتابه المشهور (نقد العقل الخالص ومن خلال يحاول تقديم وجهة نظر نقدية حول الحقيقة لذلك تساؤل مع كانط ماهو مفهوم الحقيقة ؟ ماهي أنواعها ؟ وهل هناك معيار للحقيقة ؟ وإذا كان هذا المعيار موجودا فما هي طبيعته ؟ يعرف كانط بالحقيقة على أنها مطابقة الفكر لموضوعه وهكذا يميز بين نوعين من الحقيقة، دقيقة مادية، وأخرى صورية، ففي الحقيقة المادية تكون بمعنى المطابقة أي مطابقة المعرفة (موضوعها وهنا لايمكن أن يكون هناك معيارا كليا وشموليا للحقيقة ينطبق على جميع الموضوعات أما فيما يتعلق بالحقيقة الصورية فيعني بها مطابقة المعرفة لذاتها وهنا يمر كانط بوجود معيار كلي وشمولي للحقيقة سماه المنطق، والمنطق في نظره هو مجموعة من القواعد والقوانين العامة في الفكر التي تكون معيار الصواب والخطأ. فما يتطابق مع هذه القواعد يكون صائبا وحقيقيا، وما يخالف هذه القواعد يكون خاطئا هكذا ينتهي كانط إلى بناء تصور نقدي للحقيقة ينبني على فكرة المطابقة مطابقة المعرفة للموضوع ومطابقة المرفوض والمنطوق للشيء مما يجعله لايخرج عن التصور التقليدي للحقيقة .

مناقشة :

من خلال أطروحة مارتن هيدوجر ونظرا لإستحالة تطابق ماهو عقلي مجرد مع ماهو مادي محسوس فإن هيدجر يعمل على طرح مفهوم آخر للحقيقة لايقوم على المطابقة وإنما على الحرية والانفتاح وهكذا يرى هيدجر أن ماهية التطابق تنحصر في طبيعة العلاقة بين المنطوق أو الفكر وبين الشيء من حيث أن التطابق يعني حضور الشيء ومثوله أمام الذات غير أن التطابق بهذا المعنى يؤدي إلى الحد من تريه الوجود وانفتاحه الشيء الشيء الذي يقول إلى تحجبه واختفاءه.

3) أنواع الحقيقة :

تمهيد : إذا كانت الحقيقة مرتبطة بالخطاب واللغة وإذا علمنا أن هناك خطابات متعددة وليس خطابا واحدا ذلك سيؤدي إلى تعدد الحقيقة وتنوعها بتعدد هذه الخطابات.

- هل الحقيقة واحدة أم متعددة ؟ وإذا كانت متعددة فماهي أنواعها ؟ ثم من أين تستمد مصدرها ؟ كيف يتم إقناع الآخرين بها.

1) أطروحة ابن رشد : يرى ابن رشد أن الحقيقة الواحدة هي الحقيقة الدينية التي تستمد مصدرها من الوحي الالاهي. لكن الحقيقة وإن كانت واحدة فإن طرق تبليغها وإقناع الناس بها متعددة تختلف باختلاف مستواهم المعرفي والعقلي وماجدلوا عليه من التصديق ذلك أن طباع الناس متفاضلة للتصديق فمنهم من يصدق بالبرهان وهو خاص بالفلاسفة، ومنهم من صدق بالجدل وهو خاص بالمتكلمين، ومنهم من يصدق بالخطابة وهم عامة الناس.

يستنتج ابن رشد من هذا التصور الوحدوي للحقيقة على أن الحقيقة الفلسفية لاتخالف المشرع لأن كلاهما يطلب الحق والحق لايضاد الحق بل يوافقه وشهد لتك ما يقول ابن رشد نفسه وبذلك فإن الحقيقة واحدة وإن تعددت سبل الوصول إليها.

2) أطروحة مشيل فوكو : يقسم فوكو الحقيقة إلى 14 أنواع فهناك الحقيقة البنوية والحقيقة الفلسفية والسياسية والعلمية، وبالتالي فإن الحقيقة الدينية إن هي إلا وجه واحد من أوجه الحقيقة المتعددة والمتنوع. ولكن من أين تستمد الحقيقة قيمتها ومصدرها ؟ كيف تفرض نفسها وسلطتها على الناس ؟ يجيب فوكو أن الحقيقة تستمد مصدرها وقيمتها من المجتمع الذي تنتمي إليه لذلك أن لكل مجتمع نظامه الخاص وسياسته العامة التي تحدد شروط إنتاج الحقيقة وتداولها واستهلاكها، ومعايير التمييز بين الخطاب الحقيقي والخطاب الخاطئ، والحدود التي لاينبغي أن تتجاوزها، ومن له الحق في قولها واستهلاكها وعليه فإن إنتاج الحقيقة وتأسيس النواة التي لها الحق في القول الحقيقة يتم تحت مراقبة المؤسسات الاجتماعية (الجامعة المدرسة الأسرة، وسائل الاعلام...) وفق طقوس خاصة ومراسيم محددة سلفا، إن هذه الرقابة المفروضة على الحقيقة هي التي بتث مدى علاقة الحقيقة بالمؤسسة والسلطة التي تنتجها وتدعمها، وبالتالي فإن الحقيقة تستمد قيمتها من المؤسسة والسلطة، فلا حقيقة بدون سلطة لأن الحقيقة هي مدار كل سلطة.

3) أطروحة G Bachelard :

إن هيمنة المؤسسة على الحقيقة لم تسلم منها حتى الحقيقة العلمية المحصورة داخل شبكة من المؤسسات كالجامعات ومنظومة الكتب والنشر والطبع والخزانات، فهذا الخطاب الذي فرض نفسه القادر للوصول إلى الحقيقة دقيقة وناجحة. أنبث تاريخ العلم أن الحقيقة بشكل عام والحقيقة العلمية بشكل خاص لاتوجد بمعزل عن الخطأ، بل إن إدكار نوار "يعبر أن أكبر منبع للخطأ هو الحقيقة نفسها" وهكذا يرى باشلار أن تاريخ الوقوع في الأخطاء، وإعادة تصحيحها باستمرار، فأخطاء الماضي في نظر باشلار تكشف عن نفسها كنوع من الندم والمراجعة المستمرة للحقيقة. إن الحقيقة العلمية هي دائما هدم لحقيقة سابقة لم تكن مقامة على أساس مثين وتجاوزه في نفس الوقت لما يمكن أن يشكل عقبة أمام المعرفة العلمية ذلك أن هذه المعرفة تحمل في ذاتها عوائق إيستمولوجية تؤدي إلى أخطاء وتقف حاجزا أمام تقدم المعرفة العلمية، ومن أبرز هذه العوائق هناك الحس المشترك والأحكام الجاهزة وبادئ الرأي أو الظن. إنما ينقص التجربة المباشرة والمعرفة المشتركة حسب باشلار هو منظور الأخطاء المصححة الذي يتم به الفكر العلمي المعاصر، والعلم مطالب بالتقلص من هذه العوائق الإيستمولوجية حتى يتقدم ويتطور، وهكذا فالخطأ في نظر باشلار جزء لايتجزء من بنيته الحقيقة العلمية المعاصرة حيث يلعب دورا إيجابيا لتقدم العلم وتطوره وعليه ليست هناك دقيقة مطلقة ولكن هناك حقيقة نسبية وليست هناك حقيقة يقينية كما تدعى فلسفة كلاسيكية ولكن الحقيقة قابلة للخطأ.

أطروحة نيتشه :

إذا كان الخطأ لاينفصل عن الحقيقة فإن نيتشه لاينفصلها عن الوهم، فالحقيقة في نظره ليست سوى وهم من أوهام الحياة. انطلاقا من هذا التصور، يتأمل نيتشه عن طبيعة الحقيقة وإنما عن قيمتها ودورها في الحياة وتتحدد قيمة الحقيقة من وجهة نظره في فائدتها ومنفعتها لا وجود لحقيقة في معزل من غايات تضمن استمرار الحياة وبقائها، فالحقيقة ليست غاية في ذاتها بل هي وسائل لغاية نفعية، والحقيقة تدوم يقدرها تنفع بالحفظ الحياة والنوع الشيء الذي يعمل حتى بالأوهام هاته مادم أن المعيار الوحيد للحقيقة هو المنفعة.

إن الحقيقة في نظر نيتشه أوهام واعتبر هذه الحقائق وهما هذا اعتبرها مقنعة لنا، لكننا بينا أنها أوهام لأنها أوهام نافعة في معركة الصراع من أجل البقاء. يسمح هذا الحديث المينشوي الحقيقة بالتساؤل عن قيمتها وأهميتها.

4) الحقيقة بما هي قيمة :

تمهيد : إذا كانت الحقيقة في الفلسفة التقليدية يعتبر غاية في ذاتها وتستمد قيمتها من ذاتها لا من شيء خارجها، فإن الفلسفة المعاصرة وخاصة المدرسة البرنجماتية ستؤسس تصورا نفعيا للحقيقة.

– إشكالية : فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ هل من ذاتها أم من منفعتها ؟ ألا يطرح التصور النفعي تساؤلات لا أخلاقية فيه بصدد الحقيقة.

أطروحة ويليام جيمس يؤسس ويليام تجيمس تصورا جديدا للحقيقة ينبني على أساس نظرة نفعية عملية وهكذا فجيمس على غرار نيتشه يقضي بدوره على فكرة الحقيقة المطلقة المنزهة عن كل غاية خارجية، ويؤكد عن الطابع البرغماني للحقيقة، إذ أن قيمة هذه الأخيرة تتجلى في كل ماهو نقعي عملي ومفيد، تأكيد يعبر عنه V . S يقول " امتلاك أفكار صادفة يعني على وجه الدقة امتلاك أدوات تمينة للعمل" من هنا يصبح معيار الحقيقة الوحيد هو صلاحيتها للعمل، والإنسان هو صانعها، وبذلك فإن الحقائق تتغير مغير المواقف ومايصلح لكل منها، وتختفي الحقيقة الكلية الثابثة وتصبح نسبية، تختلف باختلاف المصالح وتداركها وهكذا فما يكون نافعا بالنسبة لي قد يكون ضارا بالنسبة لغيره، مما يجعل النظرية البرغماتية بطريقة لا أخلاقية.

أطروحة بركسون :

رغم الطابع اللاأخلاقي للحقيقة إلى أن بركسون يدافع عنها باعتبارها تقدم بديلا للمفهوم التقليدي للحقيقة الذي لايرى فيما إلا مطابقة الفكر بالواقع فهذه المطابقة غير ممكنة في نظرها، لأنه ليست هناك واقع تابث حتى يتطابق معه الفكر، إن الواقع دائما متحرك، مما يجعل الحقيقة السباق للمستقبل واستعداد له.

أطروحة كانط :

إن هذا التأويل للحقيقة على بركسون لايلغي طابعها اللاأخلاقي الشيء الذي يجعل المفهوم الكانطي للحقيقة باعتبارها واجبا أخلاقيا ذا بعد إسناني رفيع، يحتفظ بأهميته وراهنية، وهكذا يرى كانط أن الكذب لايضر بالإنسانة فقط بل يضر بمفهوم الواجب الذي يجعل قول الحقيقة واجبا أخلاقيا ينبغي أن يلتزم به الجسم، وكما يرفض كانط أن تكون الحقيقة ملكا خاصا للبعض دون الآخرين فإنه يجعلها واجبا مطلعا يتساوى فيه جميع الناس مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم وجنسياتهم.

خاتمة : لقد ظلت الحقيقة ومازالت هدفا وغاية لكل معرفة إنسانية فأن تكون الحقيقة غاية المعرفة معناه أنها غير موجودة وتاريخ الفلسفة – قدم نفسه على أنه السعي الدائم وراء الحقيقة، ومن هنا منبع النسباين والاختلاف في تحديدها. تبعا الاختلاف الأنساق الفلسفية والمراحل التاريخية التي تأطرها. لذلك اتجهت الفلسفة المعاصرة إلى البحث في الحقيقة لا بالمعنى الحقيقة، ولكن البحث في الحقيقة من حيث قيمتها ودورها في المجتمع.

- تحليل نص الحقيقة هو المفيد -

مقدمة : يتحدث النص عن مفهوم الحقيقة أو عن الحقيقة من حيث مفهومها وقيمتها ووظيفتها. وماهي الحقيقة ؟ هل هي مطابقة الفكر للواقع ؟ هل تعتبر غاية في ذاتها ؟ أم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق المنفعة بمعنى آخر هل الحقيقي هو المفيد ؟ ألا يطرح التصور النفعي للحقيقة تساؤلات أو نتائج لا أخلاقية ؟ ماهي حدود التصور النفعي للحقيقة ؟



- عرض : 


يرى ويليام جيمس أن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وليست غاية في ذاتها، وإنما هي أداة ووسيلة لإشباع حاجات ضرورية، والتأثير في واقعنا وسلوكنا، فالأفكار النافعة والمفيدة وليس الصادقة هي ما ينبغي السعي إلى اكتسابها، وبالتالي فإن امتلاك الحقيقة يعني امتلاك المفيد (أدواة مفيدة ونافعة) فالحقيقة عند ويليام جيمس هو المفيد .

- ينقسم هذا النص إلى مجموعة من الفقرات ففي الفقرة الأولى : يتحدث عن المفهوم البرغماني للحقيقة باعتبارها أداة للحمل وهي ما ينبغي أن يكتسبها.

وفي الفقرة الثانية : يعتمد ويليام جيمس أكثر في مفهومه للحقيقة والانسام الحاجات وليس لغاية وفي الفقرة الثالثة يرفض المفهوم الشائع للحقيقة باعتبارها مطابقة لأن الصادق ليس هو المطابق وإنما هو المفيد بسلوكنا وفكرنا أي الذي يساعدنا عن التأثير في الواقع.

ليختم هذا النص في الفقرة الأخيرة بخلاصة يختزل فيها تصوره المام للحقيقة في المفيد والنافع. يستمد الكاتب في تصوره للحقيقة على دواعي عقلية نفعية، ذلك أن ما يهم الناس هو ما ينفعهم وماسيساعدهم على التمييز بين الوقائع الضارة والوقائق الناتجة وقد اتخذ النص صبغة تقريرية في عرضه لأطروحته حيث يبدأ دائما بالتأكيد على موقفه، تصوره للحقيقة ليعقبه بعد ذلك شرح تفصيلي لهذا المفهوم مثل على أولا أن أذكركم، ومن الواضح كل الوضوح... والآن ماذا ينبغي لنا نفهم من كون الحقيقة...، أختصر كل هذا قائلا... 
( السنة الثانية باكلوريا)


مــقـدمــــة:
مما لامناص منه أن مفهوم الحرية من المفاهيم الفلسفية الأكثر جمالية ووجدانية، فلهذا السبب اتخذت دائما شعارا للحركات التحررية والثورية ومختلف المنظمات الحقوقية في العالم، باعتبارها قيمة إنسانية سامية تنطوي على مسوغات أخلاقية واجتماعية وأخرى وجدانية وجمالية. إلا أنها تعد من المفاهيم الفلسفية الأكثر جدلا واستشكالا.

فقد طُرحت الحرية بالقياس دوما إلى محددات خارجية؛حيث كانت مسألة الحرية تطرح في الفكر القديم قياسا إلى القدرة والمشيئة الإلهية واليوم تُطرح قياسا إلى العلم الحديث بشقيه ،سواء علوم الطبيعة أم الإنسان.

فماذا تعني الحرية:هل الحرية أن نفعل كل ما نرغب فيه؟أم أنها محدودة بحدود حرية الآخرين؟وبناء على ذلك أين يمكننا أن نموقع الذات الإنسانية؟ هل هي ذات تمتلك حرية الاختيار وبالتالي القدرة على تحديد المصير؟ أم أنها ذات لها امتدادات طبيعية خاضعة لحتميات متعددة؟ ثم هل الحرية انفلات من رقابة القانون وأحكامه؟ أم أنها رهينته؟

1. الحرية والحتمية:

إذا كانت الحرية تتحدد بقدرة الفرد على الفعل والاختيار،فهل ستكون هذه الحرية مطلقة أم نسبية؟وهل ثمة حتميات وضرورات تحد من تحقيق الإرادة الحرة لدى الإنسان؟

يرى سبينوزا، أن الحرية، أو بالأحرى الشعور بالحرية مجرد خطأ ناشئ مما في غير المطابقة من نقص وغموض؛ فالناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يجهلون العلل التي تدفعهم إلى أفعالهم، كما يظن الطفل الخائف انه حر في أن يهرب، ويظن السكران انه يصدر عن حرية تامة، فإذا ما تاب إلى رشده عرف خطأه. مضيفا أنه لو كان الحجر يفكر، لاعتقد بدوره أنه إنما يسقط إلى الأرض بإرادة حرة. وبذلك تكون الحرية الإنسانية خاضعة لمنطق الأسباب والمسببات الذي ليس سوى منطق الحتمية.

أما كانط فينطلق في معرض بحثه لمفهوم الحرية،من فكرة تبدو له من المسلمات والبديهيات، مفادها أن الحرية خاصية الموجودات العاقلة بالإجمال؛ لأن هذه الموجودات لا تعمل إلا مع فكرة الحرية. غير أن أي محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. كما ينص كانط على التعامل مع الإنسان باعتباره غاية، لا باعتباره وسيلة، ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته ، هو كل ما يستمد قيمته من ذاته، ويستمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. يقتضي هذا المبدأ بان يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها بعيدا عن قانون التسلسل العلي الذي يتحكم في الظواهر الطبيعية.

في حين يرى كارل بوبر ضرورة إدخال مفهوم الحرية إلى دائرة النقاشات العلمية ،وخلصها من التصورات الحتمية.فالعالم الفيزيائي حسبه مفتوح على إمكانيات إنسانية عديدة ،وهي إمكانيات حرة تتميز بالإبداع والابتكار. فالأفعال والأحداث ليست من محض الصدفة، وإنما نابعة من الإرادة الحرة للفرد الذي يعيش وسط العوالم الثلاثة.

غير أن سارتر يعتبر أن الحرية لا تتحدد فقط في الاختيار،وإنما في انجاز في انجاز الفرد لمشروعه الوجودي ،مادام أنه ذاتا مستقاة تفعل وتتفاعل،أما الإحساسات والقرارات التي يتخذها ،فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا،ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.

2. حرية الإرادة:

إذا كانت الحرية نابعة من قدرة الفرد على الاختيار والفعل فان الهدف الأساسي لها يتجلى أساسا في تحصيل المعرفة وبلوغ الحقيقة. يميز الفارابي بين الإرادة والاختيار:فالإرادة هي استعداد يتوفر على نزوع نحو الإحساس والتخيل،في الوقت ذاته يتميز الاختيار بالتريث والتعقل،ومجرد ما يحصل الإنسان المعقولات بتمييزه بين الخير والشر،فانه يدرك السعادة الفعلية وبالتالي يبلغ الكمال.

ولا يختلف اثنان في اعتبار سارتر فيلسوف الحرية بامتياز، وكيف لا وهو الذي نصب نفسه عدوا لذودا للجبريين. لقد بذل هذا الفيلسوف قصارى جهده للهبوط بالإنسان إلى المستوى البيولوجي المحض. فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني،كما أنها الشرط الأول للعقل "إن الإنسان حر،قدر الإنسان أن يكون حرا ، محكوم على الإنسان لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم، فإنه يكون مسؤولا عن كل ما يفعله". هكذا يتحكم الإنسان –حسب سارتر- في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته.

أما ديكارت فيعتبر الإرادة أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الامتناع عن فعله،فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الانخراط في مجال الفعل والمعرفة والاختيار الحر.

أما نيتشه، فقد رفض الأحكام الأخلاقية النابعة من التعاليم المسيحية، معتبرا أنها سيئة وأنها أكدت، تأكيدا زائفا على الحب والشفقة والتعاطف، وأطاحت ،في المقابل، بالمثل والقيم اليونانية القديمة التي اعتبرها أكثر صدقا وأكثر تناسبا مع الإنسان الأرقىsuperman"". فهذه الأخلاق – بالمعنى الأول – مفسدة تماما للإنسان الحديث الذي يجب أن يكون "روحا حرة" ويثبت وجوده ويعتمد على نفسه ويستجيب لإرادته. فقد اعتبر بوجه عام أن الحقيقة القصوى للعالم هي الإرادة، ومثله الأعلى الأخلاقي والاجتماعي هو " الرجل الأوربي" الجيد، الموهوب بروح حرة، والذي يتحرى الحقيقة بلا ريب، ويكشف عن الخرافات والترهات.

3. الحرية والقانون:

إذا اعتبرنا أن الحرية مقترنة بالإرادة الحرة وبقدرة الفرد على التغلب على الاكراهات والحتميات ،فكيف يمكن الحد من الحرية المطلقة؟وما دور القانون في توفير الحرية وترشيد استعمالها؟

لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة ، في المساواة مع الآخرين ، فإن له بالطبيعة الحق، ليس في المحافظة على حريته فحسب، بل أيضا في أن يقاضي الآخرين، إن هم قاموا بخرق للقانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من عقاب. من هذا المنطلق وُجد المجتمع السياسي، حيث تنازل كل فرد عن سلطته الطبيعية وسلمها إلى المجتمع في جميع الحالات التي لا ينكر عليه فيها حق الالتجاء إلى القانون الذي يضعه المجتمع لحمايته.

لا يعول توماس هوبز كثيرا على القانون، فهو يعتقد أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع الأساسي لإعمال حريته وليس القانون، مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يمكنه أن يحظى بالحرية فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين... إذ تبقى الحرية عند هوبز نصا يمتلك معنى واسعا، ولكنه مشروط بعدم وجود موانع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية. وهوبز كغيره من رواد الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة غير المقيدة، إذ أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر. وهكذا ستتعرض المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها للرعب والذعر، من قبل الآخرين أثناء إعمالهم لحرياتهم. فالحرية المطلقة تقود إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقية.

وفي نفس الاتجاه يذهب مونتسكيو حيث يرى أن الحرية تنطوي على العديد من المعاني والدلالات ،وتقترن بأشكال مختلفة من الممارسات السياسية .فالحرية في نظره ليست هي الإرادة المطلقة ، وإنما الحق في فعل يخوله القانون دون المساس بحرية الآخرين.

غير أن أردنت Arendtربطت الحرية بالحياة اليومية وبالمجال السياسي العمومي ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية(ذاتية)، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقادها.

خاتمة:
يتضح لنا جليا من خلال ما سبق أن مفهوم الحرية مفهوم ملتبس، فكلما اعتقدنا أننا أحطنا بها، انفلت منا ، فقد تعددت النظريات من فلسفة لأخرى بل من فيلسوف لآخر فهناك من ميزها عن الإرادة الفارابي، وهناك من رأى أنها تحوي زخما كبيرا من الدلالات والمعاني مونتيسكيو ، وهناك كذلك من ربطها بالحياة اليومية ولم يعزلها عن حياتنا السياسية كما ذهبت إليه أرندت.

التجربة و التجريب:

الإشكال: هل للتجربة دور في بناء النظرية العلمية ؟

أطروحة النص : يؤكد CUVILLIERمن خلال مجموعة من الأمثلة دور التجربة العلمية أو التجربة في تأسيس النظرية العلمية حيث ينطلق العالم من ملاحظة الظواهر الطبيعية الفيزيائية ليضع فرضيات يخضعها إلى التجريب للتأكد من مدى صلاحيتها و صحتها ليخلص إلى قوانين علمية يعممها على جميع الظواهر المتشابهة و بذلك فالتجربة العلمية هي منطلق النظرية و منتهاها ، لكن ما هو الفرق بين التجربة بصفة عامة و التجربة العلمية.


جواب:يؤكد كوبري بين مفهوم التجربة بصفة عامة باعتبارها مجموع التعلمات و الخبرات التي يكتسبها الفرد من الحياة و تتميز بالعمومية و النفعية و الذاتية و المباشرة و يخضع لملاحظة عامة غير دقيقة عفوية و يعتبرها عائقا أمام العالم في رفض الأديان و بين التجريب و التجربة العلمية التي هي إعادة بناء ظاهرة معينة وفق شروط محددة يصنعها العالم ذاخل مجال مختبر في زمان و مكان محدد متحكم فيه يتيح للعالم مراقبة الظاهرة بشكل دقيق و تسجيل ملاحظته خلال مسارها انطلاقا من توجيه عقلي محدد علمي .

فما هي إذن أهم الخطوات للمنهج التجريبي؟

نص : روني طوم:

الإشكال الذي يجيب عنه النص:ما هي الخطوات الإجرائية للمنهج التجريبي و ما هي شروط الواقعة التجريبية كي تكون واقعة علمية؟

أطروحة النص: يعترض في البداية روني طوم على المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية الديكارتية ،و يقر بوجود وقائع أو ممارسة تجريبية تتطلب مجموعة من الإجراءات كي تكون علمية و هي :

-عزل الظاهرة المدروسة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري قد يكون واقعيا أو خياليا.

-إخضاع هذه الظاهرة للإختبار التجريبي بحيث تكون تحت مراقبة العالم .

-إحداث اختلال عن الظاهرة المدروسة وفق مصادر موجهة بعناية .

-تسجيل وتدوين استجابات الظاهرة المدروسة لهذا الخلل بواسطة أجهزة دقيقة، و لكي تكون الواقعة التجريبية علمية لابد من توفر شرطين اساسيين:

-قابليتها لإعادة بنائها و تكرارها في مجالات زمكانية مختلفة.

-أن تجيب هذه الواقعة التجريبية عن حاجات إنسانية نظريا أو تطبيقيا.

استنتاج:

إدا كان ARMEND CUVILLIER قد قدم مجموعة من الأمثلة ليؤكد العلاقة بين النظرية و التجريب العلمي ، و ليبين كيف أن العالم ينطلق من ملاحظة ظاهرة أو حادثة فيزيائية معينة ليضع افتراضا أو فرضية هي بمثابة تفسير مؤقت لهذه الظاهرة لينتقل بعد ذلك إلى إخضاعها لإختبار التجريبي من خلال توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و حين يعيد التجربة عدة مرات و تتأكد الفرضية ينتقل إلى استنتاج القانون العلمي فيعممه على جميع الظواهر المشابهة للظاهرة المدروسة، و في هذا الصدد يقول كلود برنار»إن الحادث )الظاهرة( يوحي بالفكرة و الفكرة تقود إلى التجربة، و التجربة تختبر الفكرة . « مما يجعل العلاقة بين النظرية و التجريب علاقة جدلية و يرى روني طوم المنهج التجريبي الكلاسيكي غير قائم الذات فهناك و إنما هناك وقائع تجريبية،ةتقتضي إجراءات محددة و هي :

-عزل الظاهرة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري و توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و تدوين جميع الملاحظات المتعلقة بالمسار التجريبي و حين تتأكد الفرضية من خلال تجارب متعددة في مجالات مختلفة تتحول إلى قانون علمي يصاغ صياغة رياضية، و يشترط في الواقعة التجريبية لكي تكون علمية أن تكون قابلة للتكرار و إعادة بنائها و أن تجيب عن حاجات إنسانية إما نظرية أو تطبيقية. إدا كانت التجربة هي معيار و مقياس صدق أو بطلان الفرضية فماهو دورالعقل في بنائها؟ هل للعقل دور في تأسيس النظريات ؟ أم أنها معطاة في الواقع التجريبي ؟

العقلانية العلمية :

ما هي خصائص العقلانية العلمية؟ ما هي حدودها ؟

نص : هانز رايشبانخ:

الإشكال الذي يجيب عنه النص: إلى أي حد تستطيع النزعة العقلانية ، المثالية و الحديثة بناء المعرفة العلمية؟

الاطروحة : ينتقد هانز رايشبانخ النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لأنها تتعالى عن الملاحظة الحسية و التجريب، و تعتبر أن للعقل قوة خاصة تجعله قادرا على اكتشاف القوانين الفيزيائية العامة للعالم اعتمادا على الاستنباط و الحدس العقلي ، و يرى أن المعرفة العلمية لا يمكنها أن تستغني عن الملاحظة و التجريب مما يجعل النزعة العقلية اقرب إلى النزعة المثالية و التصوف منه إلى العلمية .

البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية الاثبات و التأكيد و الاتساق المنطقي.

نص : البير أنشاتين:

الإشكال الذي يجيب عنه النص: ما هو أساس المعرفة العلمية هل هو الإختبار التجريبي أم البناء العقلي الرياضي أم هما معا؟

الأطروحة: ينطلق انشتاين من انتقاد التصوير الذي يعتبر التجربة مجرد ملاحظة للواقع و أن النظرية عبارة عن تأمل ذهني خالص، ليؤكد أنه لا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة و لا وجود لتجربة علمية مستقلة عن العقل. فبناء النظرية العلمية يقتضي التجربة و الملاحظة و العقل معا لأن انغلاق النظرية على ذاتها يؤدي إلى فنائهما ، فالمفاهيم و المبادئ المكونة للنظرية العلمية يبدعها العقل و لكن بتوجيه من التجرببة فالعقلانية العلمية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و مبادئها من العقل الرياضي و تكون المعطيات التجريبية تابعة لهما فالعقل الرياضي هو مبدع النظريات و لكن دون استغناء عن الملاحظة و التجربة .

استنتاج :

نستنتج إذن أن التجربة كما تصورتها النزعة التجريبية أصبحت متجاوزة فهي لم تعد تتحكم في بناء النظرية العلمية كما أن العقل كما تصورته النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لم يعد مكتفيا بذاته و قادرا على الإستغناء عن الملاحظة و التجربة بل أصبحت النظرية العلمية بناءا عقليا حرا يؤسسهما العقل الرياضي بتوجيه من التجربة. «إن اكتشاف المفاهيم و القوانين التي تحل بينهما هي من انتاج العقل الرياضي إلا أن التجربة تظل موجها و مرشدا للعقل في اختياره للمفاهيم » وهكذا فالعقلانية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و أدواتها اعتمادا على العقل الرياضي وتحولت المعطيات التجريبية إلى موجه للعقل و تابعة له فما هي إدن معاييرالعلمية النظرية و مقاييس صلاحيتها؟

معايير العلمية النظرية :

ماهي معايير النظريات؟ ماهي معايير صلاحيتها؟

نص: الحسن ابن هيثم:

الإشكال الذي يجيب عنه النص:هل يمكن اعتبار النقد معيار العلمية النظرية؟

الأطروحة:يؤكد ابن هيثم على أن الناظر و الباحث في العلوم عليه أن يتسلح بالرؤية النقدية ليكشف عن مواطن النقص في النظريات العلمية و عن ضعفها و تناقضاتها قصد تعديلها و تجاوزها.

البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التوضيح والتفسير و الاستشهاد بمثال : )نمودج بطلموس .(

نص: كارل بوبر:

الإشكال الذي يجيب عنه النص: هل يمكن اعتبار التكذيب و التفنيد مقياسا و معيارا لصلاحية النظرية العلمية؟

أطروحة النص: يبين كارل بوبر أن ما يميز النظرية العلمية التجريبية عن غيرها من النظريات غير العلمية هي قابليتها للتكذيب و التفنيد.

البنية الحجاجية: لقد اعتمد النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و الإتساق المنطقي بالإضافة إلى الإستشهاد بأمثلة.

استنتاج:

إذاكان ابن الهيثم قد أكد على معيار النقد و المساءلة النقدية كمقياس لعلمية النظريات، حيث دعى إلى التسلح بالرؤية النقدية حين التعامل مع النظريات العلمية للكشف عن ما تحتويه من أخطاء و تناقضات قصد تجاوزها.

فإن كارل بوبر يؤكد أن النظرية لا تكون علمية تجريبية إلا إذا كانت قابلة للتنفيد و التكذيب، فالنظرية العلمية التجريبية هي التي تستطيع أن تقدم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها و تبرز نقاط ضعفها و تجعل فرضياتها قابلة للتكذيب.
مفهوم الدولة في الفلسفة
 
 
تقديـم إشكالـــي :

بما أن السياسة هي السعي إلى امتلاك السلطة و فرض الطاعة و تدبير الشأن العام و تنظيم العلاقات بين الأفراد بواسطة هيئات و مؤسسات تستخرها لذلك و بما أن السياسة ترتبط بالدولة باعتبترها أعلى سلطة فمن أين تستمد الدولة إذن مشروعيتها؟ هل من الحق أم من القوة؟ وهل تنحصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم تشمل المجتمع ككل؟و كيف تمارس سلطتها ؟ هل باعتماد العنف و البطش أم باعتماد القانون و الحق؟ و ماهي طبيعة العلاقة بين القانون و العدالة ؟ هل ترتبط العدالة بالحق الطبقي أم بالحق الوضعي؟ هل العدالة أساس الحق أم الحق أساس العدالة؟ هل تستطيع العدالة تحقيق المساواة و الإنصاف لجميع أفراد المجتمع ؟

مشروعية الدولة و غاياتها:

من أين تستمد الدولة مشروعيتها و ماهي غاياتها؟

نص : ماكس ڦيبر:

إشكال النص: ماهي الأسس التي تستمد منها الدولة مشروعيتها ؟

أطروحة النص : يحدد ماكس ڦيبر ثلاثة أسس تستمد منها الدولة مشروعيتها : مشروعية مستمدة من سلطة الماضي أي السلف .

البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض والتفسير و التميز بالإضافة إلى التأكيد و الإثبات حيث يؤكد أن الدولة تستمد مشروعيتها من ثلاثة أسس )الماضي، كاريزمية الحاكم، و الشرعية القانونية (.

نص : طوماس هوبس :

الإشكال : كيف نشأت الدولة و ما هي غاياتها ؟

أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن نشأة الدولة نتيجة لميثاق و تعاقد إداري حر بين الأفراد تم بمقتضاه تنازلهم عن بعض حقوقهم الطبيعية و حريتهم المطلقة مقابل تحقيق الأمن و استقرارهم و ضمان حريتهم من طرف شخص أو مجلس يجسد إرادات الجميع ينظم شؤونهم و يضمن السلم و الامن و يحافظ على حقوق الجميع و يشترط فيه أن يكو ن قويا مستبدا كالتنين حتى لايجرؤ أي أحد على خرق الميثاق المتعاقد عليه و عصيان أوامره خشية منه ، وبذلك نشأت الدولة بهدف ضمان الأمن والإستقرار و السلم.

البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و المقارنة بين حالة الطبيعة المتوحشة حيث سيادة الخوف و العنف و حالة التمدن حيث سيادة القانون و الأمن و الإستمرار.

نص: باروخ سبينوزا:ماهي غاية الدولة و مقاصدها؟

أطروحة النص: يؤكد سبينوزا أن غاية الدولة القصوى هي تحرير الأفراد و الحفاظ على أمنهم و تمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية و حمايتهم من كل أشكال العنف و التسلط و تنمية قدراتهم الجسدية و الذهنية شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين و الإمتثال لسلطة الدولة و عدم الخروج عن التعاقد و المواثيق المتفق عليها و يشترط في هذه الدولة أن تكون ديموقراطية تضمن العدل و المساواة و الحرية للجميع و تحافظ على الأمن و السلم.

البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح و التأكيد و الإثبات فهو يؤكد على أن الهدف الأساسي للدولة و الغاية من نشأتها هو تحرير الناس من خوفهم و ضمان أمنهم و حريتهم و الحفاظ على حقوقهم و تحقيق العدل و المساواة فما هي إدن طبيعة السلطة و مرتكزاتها و ما هي طبيعة السلطة السياسية؟

طبيعة السلطة السياسية:

ماهي طبيعة السلطة السياسية ؟ و ماهي أسسها و مرتكزاتها؟

نص: مونتسكيو:

الإشكال: ما هي أنواع السلط ذاخل الدولة و ما هي طبيعة العلاقة بينهما؟

أطروحة النص: يبين مونتسكيو أن الدولة الحديثة تتوزع فيها السلط إلى ثلاثة أنواع:

سلطة تشريعية: تشرع القوانبن أو تعدلها أو تبطلها.

سلطة قضائية: تنظر في الخلافات بين الناس و تسهر على ضمان حقوقهم.

سلطة تنفيدية: تقوم بتنفيد القوانين و تطبيقها ، ويشترط مونتسكيو لضمان أسس الدولة و استمراريتها و للحفاظ على حقوق المواطنين الفصل بين هذه السلط و استقلالية كل منهما عن الآخر لأن احتكارها من طرف شخص أو مؤسسة يهدد استمرار الدولة و أمنها كما يهدد حقوق المواطن .

البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح .

الإشكال: هل تنحصر السلطة في مؤسسات و بنيات أم أنها تتخلل جميع مجالات المجتمع ؟

أطروحة النص: ينتقد فوكو التصور الذي يحصر السلطة في مؤسسات و بنيات ليؤكد أن السلطة ملازمة لعلاقات القوى المتعددة ذاخل المجتمع فهي تعم جميع مجالاته و بذلك فهي مجموع استراتيجيات معقدة داخل المجتمع.

استنتاج تركيبي: إدا كان مونتسكيو قد انطلق من تحديد أنواع السلط التي تتوزع داخل المجتمع و حددها في ثلاثة أنواع: السلطة التشريعية، التنفيدية و القضائية و أكد على أن العلاقة بين هذه السلط يجب أن تكون علاقة انفصال و استقلال ضمانا لأمن الدولة و حقوق المواطن لأن احتكار هذه السلط يؤدي إلى الطغيان و تدمير الدولة و تهديد أمن المواطن لذلك فالسلطة في رأيه تتجسد في مجموعة من المؤسسات و الهيئات ) المحاكم ، الشرطة، الجيش.......(أما بالنسبة لفوكو فهو ينطلق من منظور سياسي اجتماعي ليفند و ينتقد هذا التصور و ليؤكد خلافا لذلك أن السلطة لا تنحصر في مؤسسات و هيئات و بنيات بل تتجسد في مجموع العلاقات بين القوى المتصارعة داخل المجتمع و في جميع مجالاته فهي وضعية استراتيجية معقدة فمن أين تستمد الدولة سلطتها إدن و تمارسها هل اعتمادا على القوة و العنف أم على الحق و القانون؟

الدولة بين الحق و العنف:

كيف تمارس الدولة سلطتها ؟ هل استنادا إلى القوة و العنف أم الحق و القانون؟

الإشكال: ما هي الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة لتمارس لسطتها و تحافظ عليها؟

أطروحة :يؤكد ماكياڦيل أن السياسة هي مجال الصراع بين الأفراد و الجماعات مما يؤدي إلى اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة فالحاكم أو الأمير يجب أن يكون على أهبة الإستعداد لتوظيف جميع الأساليب، فعليه أن يكون قويا كالأسد و ماكرا كالثعلب حسب مقتضيات الظروف و مجريات الأحداث، كما يمكنه أن يلجأ إلى القوانين و الأخلاق إدا كان ضمان السلطة يتطلب ذلك، و هكذا تصبح جميع الوسائل مباحة لضمان السلطة و ممارستها فالغاية تبرر الوسيلة.

نص: فريديريك انجلس:

الإشكال: هل يمكن اعتبار الدولة نتاج للصراع الطبيعي و هل تمثل الطبقة المسيطرة؟

أطروحة: ينطلق أنجلس من منظور مادي تاريخي ليبين أن الدولة ليست مفروضة من طرف سلطة خارج المجتمع، بل هي نتيجة للصراع الطبقي داخله فهي تعبير عن تضار ب المصالح بين الطبقات الاجتماعية ووجود الدولة ضرورة للتخفيف من حدة هذا الصراع و الحفاظ على النظام إلا أن الدولة تجسد مصالح الطبقة السائدة المهيمنة القوية اقتصاديا و سياسيا، مما يجعلها تلجأ إلى أساليب القمع و الإضطهاد و الإستغلال للحفاظ على داتها و استمراريتها

استنتاج: إذا كان ماكياڦيل قد اعتبر أن السياسة مجال للصراع من أجل السلطة و بالتالي فالحفاظ على هذه السلطة و ممارستها يحتم على الأمير أو الحاكم أن يلجا إلى جميع الأساليب و الوسائل المشروعة أو غير المشروعة فعليه أن يختار الأسلوب المناسب لكل ظرف كالقوة و العنف و الحكم و الخداع و الحق و القانون لأن الغاية تبرر الوسيلة.

-أما أنجلس فإنه قد انطلق من تصور تاريخي مادي ليبين كيف أن الدولة هي وليدة الصراع الطبقي و أن وجودها يحتمه الحفاظ على النظام و التخفيف من حدة هذا الصراع إلا أن الدولة تظل مجسدة لمصالح الطبقة السائدة المهيمنة التي تملك وسائل الإنتاج و أن زوالها مشروط بزوال الطبقات الإجتماعية و تحقيق المساواة و العدل و الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.

مواضيع فلسفية أخرى مهمة أتمنى أن تعجبكم ولا تنسو التعليق و النشربحسابكم على الفيسبوك لتعم الفائدة و شكرا لكم   

 تقديم       يعتبر مفهوم الواجب قطب رحى الفلسفة الأخلاقية ، إذ يشكل إحدى المقولات الأساسية التي انبنى عليها التفكير الفلسفي في الشق الأخلاقي إلى جانب قيم أخرى كالسعادة و الحرية... والحديث عن الواجب باعتباره أحد هذه القيم يدفعنا للتساؤل:ما هو الواجب ؟وما هو الأساس الذي يقوم عليه؟هل يقوم على الالتزام الداخلي المؤسس على الوازع الأخلاقي؟أم أنه يقوم على سلطة الإكراه والإلزام الخارجي بغض النظر عن مصدره وطبيعته؟وإذا كان الواجب يقوم على الالتزام الداخلي ألا يقتضي ذلك ضرورة وجود وعي أخلاقي من شأنه أن يشكل الأساس الذي يقوم عليه الواجب ـ إلى جانب أسس أخرى كالقوانين الوضعية؟وعندما نتحدث عن الواجب ،ألا يحق لنا أيضا أن نتساءل :هل الواجب هو واجب تجاه الذات أم تجاه الآخرين؟


المحور الأول: الواجب و الإكراه

الحديث عن مفهوم الواجب يجرنا للتساؤل عما إذا كان إلزاما أم التزاما ؟بمعنى آخر هل ما نقدمه من واجب هو صادر عن رضى وطيب خاطر؟أم لأننا أرغمنا عليه؟

يذهب كانط إلى اعتبار الواجب هو القيام بالفعل احتراما للقانون ـالقانون الذاتي الأخلاقي القائم على الخير الأسمى، والمؤسس على العقل والإرادة ـ وعلى هذا النحو يكون المرجع الأساسي الذي يجب أن ينطلق منه الجميع هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني. 

اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانين تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة لطابعهما الكوني والمشترك. فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل، وللحرية، لأن مصدره الإرادة. 

في حين يرى هيجل أن الأطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقع. فالواجب مع هيجل ذو طابع مؤسساتي وغايته هي إقامة الدولة القوية التي يبتدئ بناء صرحها من الفرد الذي ينصهر في الكل، بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجب على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خاص بفعل وضعيته داخل الدولة. فان دل هذا فإنما يدل على أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامة بحيث يضمن الفرد حمايتها. "فالفرد ـ يقول هيجل ـ الخاضع للواجبات سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا، وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته الجوهرية، واعتزازا بكونه عضوا في هذا الكل؛ وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة لا بالذات في وجودها الخالص. 

وعلى النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام و لا عن خوف من أي جزاء أو عقاب. إنما يكون هو فعلا تأسيسيا لمسار الحياة الذي لا ينتهي، و لغايات حددتها الطبيعة الإنسانية بوصفها فاعلية مطلقة نحو الحياة. لكن الواجب الأخلاقي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي، يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل ، فمصدره هو الشعور الفياض "بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ... و سوف تستمر الحياة بعدنا، من دوننا، و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الاستمرار". و المنحى نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الأخلاق على مبدأ الحياة بوصفها اندفاع خلاق محض. إذ الفعل الأخلاقي عند نيتشه ما يخدم الحياة ويزيد من قوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها. هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه.


المحور الثاني: الوعي الأخلاقي

يعتبر مفهوم الوعي الأخلاقي مفهوما مركزيا في الفلسفات الأخلاقية .فما هو الأساس الذي يقوم عليه هذا الوعي؟

يرى روسو أن الوعي الأخلاقي إحساس داخلي موطنه وجداننا فنحن نحسه قبل معرفته ،وهو الذي يساعدنا على التمييز بين الخير والشر ،والحسن والقبيح،وهي إحساسات طبيعية وفطرية يسعى الإنسان من خلالها إلى تفادي ما يلحق الأذى به وبالآخرين،ويميل إلى ما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع.الأمر الذي يقوي لديه الوعي الأخلاقي فيجعله متميز عن باقي الكائنات الحيوانية الأخرى.

أما هيجل فانع يعتبر الوعي الأخلاقي هو الربط بين الواجب والمبادئ الأخلاقية.وفي هذا الإطار يميز هيجل بين الواجب بمعناه القانوني والواجب بمعناه الأخلاقي ،فإذا كان النوع الأول من الواجب يعتبر نموذجيا،فان النوع الثاني يفتقر إلى الطابع النموذجي،وذلك لقيامه على الإرادة الذاتية.لكن ،سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ،عندما سيعتبر الواجب القانوني واجبا يفتقر إلى الاستعداد الفكري،على عكس الواجب الأخلاقي الذي يستدعي ذلك الاستعداد،ويقتضي أن يكون مطابقا للحق في ذاته.وعلى هذا النحو يصبح للواجب الأخلاقي قيمة باعتباره وعيا ذاتيا وليس إلزاما خارجيا.

وفي مقابل هذين التصورين ،يذهب نيتشه إلى رفض كل التزام أخلاقي ، سواء من الناحية المبدئية أو من ناحية ادعائنا القدرة على تعميمه على جميع الذوات.إن اعتبار الالتزام الأخلاقي أساسيا للفعل الأخلاقي ،هو في نظره هو جهل بالذات وسوء فهم لها، وخصوصا عندما تدعي تلك الذات إمكانية تعميمه على كل الذوات الأخرى. وكبديل لهذا الالتزام، يشدد نيتشه على الأنانية الذاتية، بما تعنيه من هناء وخنوع وتواضع، باعتبارها أساسا للسلوك الإنساني عوض ذلك الالتزام الأخلاقي الزائف.

المحور الثالث: الواجب و المجتمع

ماهي الصلة التي يمكن إقامتها بين الواجب والمجتمع ؟ وكيف تتحدد واجبات الفرد تجاه المجتمع والآخرين؟

يرى دوركهايم بأن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الأفراد، و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخله، و من ثمة فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الأفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي و النظم الأخلاقية عموما، و لما كانت الحال كذلك لأن الأفراد يُسلب منهم الوعي بالفعل الأخلاقي، لأنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و إنما عن ضمير و وعي جمعيين هما المتحكمان في سلوكيات الأفراد. و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزامية "و التي يجب أن نخضع لها لأنها تحكمنا و تربطنا بغايات تتجاوزنا.

و من ثمة فالمجتمع يتعالى على الإرادات الفردية، و يفرض السلوكيات التي يجب أن يكون بما فيها السلوكيات الأخلاقية لأن المجتمع "قوة أخلاقية كبيرة. فيحقق الأفراد غاية المجتمع لا غاية ذواتهم و الإنصات لصوته الآمر لأن "تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع و لا يعبر إلا عنه.


أما ماكس فيبر فينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم إلى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما تطرح فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم المحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على بهذه الصورة.

و نمط ثان من الأخلاق هو ما أطلق عليه أخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسئولون عن النتائج التي تمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ.


لكن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، فيذهب الى أن الواجب الأخلاقي باعتباره نمطا من التضامن الذي يبنيه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى يستطيع الجيل الأول أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد و المريح. فكل جيل يتحمل على كاهله مسؤولية تأمين المستقبل الذي لا يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع و التشتت.

و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال ، و هذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما و تقسيم الثروات بشكل عادل. 

خاتمة

انطلاقا مما سبق التطرق إليه من مواقف نجد أن الواجب الأخلاقي مفهوم يتراوح بين عدة أنظار و مواقف متباينة لا تتعارض أكثر مما تكون صورة بانورامية حوله، فمنهم من جعل من الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس إذ يرى النقيض، حيث جعل من الواجب الأخلاقي جزءا لا يجتزئ عن سلطة من السلط إما نفسية أو دينية أو غير ذلك...