في تايلاند .. فرحة العيد تتحدى القمع

 على الرغم من القمع الذي يتعرضون له منذ سنوات، يحرص مسلمو تايلاند على إظهار فرحة العيد بدفع زكاة الفطر وأداء صلاة العيد في جماعة، سواء في المساجد أو في الخلاء حال سمحت السلطات بذلك، والعمل على تدعيم التواصل والتماسك الاجتماعي بينهم لتوحيد صفوفهم، وكأنها تظاهرة حبٍّ في وجه القمع الرسمي الذي يتعرضون له.

بهذه الكلمات استهل د. عبد الرشيد هأميمي نائب عميد أكاديمية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة ناراديواس راجنكرين حديثَه لموقع الإسلام اليوم حول مظاهر عيد الفطر وتقاليده في تايلاند، والتي يواجه المسلمون في جنوبها ومنذ عشرات العقود موجةً من التمييز والتهميش على يد القوات التايلاندية التي أسقطت مملكة فطاني المسلمة وتبنت حكوماتها المتعاقبة نهجًا دمويًّا عنيفًا ضدَّ المسلمين بشنِّ حملاتِ تصفية ضدهم.

احتفال مبكر

يبدأ احتفال مسلمي تايلاند -كبقية مسلمي العالم- مبكرًا منذ الأيام الأولى لشهر رمضان، ويشتدُّ في أواخره حيث يحرص المسلمون في تايلاند على تحرِّي ليلة القدر بالاعتكاف وأداء صلاة التهجد والتقرب إلى الله في هذه الأيام المباركات، ثم يسعَوْن لتحري هلال عيد الفطر سواء برؤية هلاله أو بانتظار إعلان المؤسسات الإسلامية في دول الجوار ظهور هلال شهر شوال.

ويحرص المسلمون في تايلاند على أمرين في صباح يوم عيد الفطر، أولهما دفع زكاة الفطر والثاني أداء صلاة العيد في جماعات سواء في المساجد أو في الساحات في حال سماح السلطات، في تحدٍّ للقمع الذي يتعرَّضون له.

كروت معايدة

ومن العادات المعروفة خلال عيد الفطر قيامهم بإرسال بطاقات التهنئة بالعيد للأقرباء والمعارف، ويكثر هذا التقليد في المناطق الريفية إلى الدرجة التي تدفع موظفي البريد إلى تأجيل إجازاتهم لما بعد العيد للسيطرة على حجم العمل الكبير الذي يواجهونه، على عكس أهل المدن الذين يلجئون إلى الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني من أجل التهنئة، وبصفة عامة يحرص السكان على العودة إلى المناطق الريفية خلال عطلة عيد الفطر للاحتفال وسط الأهل والأقرباء، إلا أنهم لا يحرصون على تلك العادة في عيد الأضحى بنفس درجة حرصهم عليها في عيد الفطر.

تواصل وتكافل

وفي يوم العيد يغتسل الجميع ويتطيَّبُون بالعطر قبل الخروج إلى الصلاة في الملابس الوطنية الجديدة ويرتدي الرجال (السارونج والملاية) وهي الزيُّ الشعبيُّ التقليدي للمسلمين في تايلاند، وعقب الصلاة يتصافح الجميع ويقومون بزيارات للمنازل وتوزيع الهدايا على الأطفال لإدخال البهجة على نفوسهم في مثل هذا اليوم البهيج، وإبداء أكبر قدر من التواصل والتماسك، وبعده تتوجه الأسر المسلمة لقضاء أول أيام العيد في الحدائق والمتنزهات.

ومن أهم وسائل تحقيق التواصل العمل على دفع الزكاة لكفاية الفقراء مئونة الاحتياج في ذلك اليوم المبارك.

وتبدأ عادات الاحتفال بالعيد في آخر أيام شهر رمضان، حيث تتعاون الأسرة في تنظيف المنازل وترتيبها وتزيينها كما يستعد الأطفال بتجهيز ملابسهم الجديدة لارتدائها في يوم العيد، كما يسهر الجميع حتى الصباح لإعداد الحلوى التي سيقدمونها للضيوف وأيضًا لمن سيزورونهم من الأصدقاء والأقارب لتهنئتهم بالعيد.

غذاء الروح والجسد

ويركِّز الأئمة والخطباء على فضائل الأيام المباركة، ويحثُّون المسلمين للتمسُّك بفضائل شهر رمضان الكريم طوال العام ويوجِّه العلماء رسالة تهنئةٍ للمسلمين ويحضُّونهم على التوحد والتماسك إزاء ما يواجهونه من متاعب، مناشدين الحكومة تغليب لغة العقل وإنهاء معاناة مسلمي الجنوب، هذا ما يتعلق بغذاء الروح، أما غذاء الجسد فهناك عدد كبير من المأكولات والحلوى، ومن أشهر أنواع هذه الحلوى (التوم) وهي مصنوعة من الأرز المُحَلَّى المخلوط بجوز الهند والملفوفة في ورق الموز، حيث يداوم مسلمو فطاني على أكلها بعد غمسها في السكر، وهي حلوى ارتبط اسمها بالعيد في تايلاند، أما عن أشهر الأكلات التايلاندية في عيد الفطر فهي أكلة (كانج ماسامات) وتتكون من اللحم المخلوط بالبهار وجوز الهند وتقدم مع الخبز أو الفطير.

الأغلبية المقهورة

ويبلغ عدد المسلمين في تايلاند حوالي 10 ملايين نسمة ينتشرون في أنحاء البلاد ويمثلون أكثرية في المحافظات الجنوبية، وهي فطاني وجالا وناراتيوات وستول وسونجكلا، ينحدر أغلبهم من العنصر الملاوي، فيما يقدَّر عدد المساجد المسجَّلة رسميًّا في تايلاند بحوالي 3494 مسجدًا موزعة بين المناطق المختلفة، حيث يوجد في المنطقة الوسطى والعاصمة بانكوك 365 وفي المنطقة الشرقية 117 مسجدًا، فيما تضمُّ المنطقة الجنوبية العليا 699 مسجدًا، أما المنطقة الأكثر من حيث عدد المساجد فهي المحافظات الخمس؛ إذ تضم 2257 مسجدًا، وقد بُنيت أغلب المساجد بالجهود الذاتية للمسلمين، وفيما أسهمت الحكومة في بناء بعض المساجد.

ويتعرَّض المسلمون لحملات تمييز وتهميش متتالية، غير أنهم يحاولون إبداء أكبر قدر من التماسك والتضامن الاجتماعي إزاءها، ويعدُّ عيد الفطر المبارك من المناسبات القليلة التي يظهر فيها تماسك مسلمي تايلاند وتوحّدهم وتواصلهم، كرسالة منهم للسلطات تؤكد عزمهم على استمرار كفاحهم لنَيْل حقوقهم وإنهاء عقود التمييز.